البرنوس …زينة الرجل الجزائري
يعود البرنوس الجزائري إلى قدم الحضارة الأمازيغية في بلاد المغرب ككل وفي الجزائر خاصة، ولقد ارتبط بتحديد الهوية الأمازيغية ارتباطا وثيقا جدا، إذ يحدد ابن خلدون في مصنفه تاريخ العرب والبربر ومن جاورهم من ذوي السلطان الأكبر، بلاد البربر أو الأمازيغ بقوله “حدود بلاد البربر تبتدئ حيث الرجال يرتدون البرنوس وتنتهي حيث الناس لا يأكلون الكسكسي”.
فالبرنوس هو لباس الرجل الجزائري قديما، وكان يرتديه منذ أن ترفعه قدماه ويبدأ المشي إلى نهاية حياته، وهو معطف يقي برد الشتاء، طويل من صوف النعاج أو وبر النوق أو كلاهما معا ويوضع على الكتفين وله قباعة تتدلى للخلف، مفتوح من الأمام إلا في منطقة الصدر، ويكون لونه ابيضا إذا صنع من الصوف، أو بنيا أو أسودا إذا صنع من الوبر أو من الدرع.
وأشهر منطقة في الجزائر وفي العالم لصناعة البرنوس هي مدينة مسعد بولاية الجلفة، كما يصنع في مناطق مختلفة من منطقة الحضنة والهضاب العليا والجنوب الكبير، وبلاد القبائل، ومناطق الشاوية… الخ، ولكل منطقة نوع خاص بها يتناسب مع المواد المتوفر لديها ومع طبيعتها، فمثلا في منطقة الحضنة ككل على الأغلب يصنعون برنوس الصوف الأبيض الطويل نظرا لتوفر مادة الصوف، في مناطق أقرب إلى الصحراء يصنع البرنوس من الوبر، وفي بلاد القبائل يصنع كذلك من الصوف الأبيض ويكون قصيرا أبترا كما يقال.
ولليوم مازال البرنس حاضرا في مناسبات الجزائريين ويعتبر زينة الرجل الجزائري، فلا شيء يزيده هيبة ووسامة أكثر من ارتداء البرنوس، يتحلى بها يوم عرسه أو في المناسبات الهامة، كما نذكر أنه أصبح لباس للقادة والثوار وحتى العلماء في البلاد، من الأمير عبد القادر إلى الشيخ بوعمامة والمقراني والشيخ الحداد، إلى قادة الثورة، وارتداه العلامة ابن باديس بل مازال يرتديه الكثير من علماء الدين وشيوخ الزوايا إلى اليوم، كما أن الرؤساء المتعاقبين بعد الاستقلال، ومعظم الشخصيات السياسية..
كما نشير إلى أن النساء الجزائريات يرتدين البرنوس كذلك، وهو رمز للحشمة والستر، أو حتى النساء في الحفلات والأعراس، بنية الستر،
وترتديه خاصة العروس عند خروجها من بيت أهلها لبيت زوجها، للستر وللدلالة على أنها ابنة أصل كما يقال في العامية (أخت رجال)، ألبسوها لباسهم، أي طبعوها بطباعهم.
وهناك عادة ارتبطت بالبرنوس وهي خروج العروس من بيت أبيها لبيت زوجها، حيث تخرج من تحت ذراع أبيها، ويكون مرتديا برنوسا (قديما)، ويقال بالعامية (خرجت من تحت جناحو) ودخلت تحت جناح زوجها، أي كفالته وحمايته.
وبالفعل فإن البرنوس يجعل الرجل وكأنه يملك جناحين مثل الطائر، لهذا نجد أن هذه العبارة تنتشر في المجتمعات المغاربية التي تلبس البرنوس خاصة الجزائر دون غيرها.
وبالتالي فالبرنوس هو لباس تقليدي مليء بالدلالات الرمزية، في المجتمع، منها الشهامة والرجولة والبهاء والهيبة والحرمة والستر والكفالة للمرأة وحفظها، كما ارتبط بالحرية فالطائر حر بطبعه وكذلك الرجل الأمازيغي.
د. أمال عزري