حوس بلادك !

الدكتورة أمال عزري تعرفنا عبر تحواس براس عن لغة الحلي التقليدية الجزائرية

212

د.أمال عزري

تعتبر الحلي التقليدية في المجتمعات القديمة لغة اتصالية متكاملة، حاضرة بقوة في تفاصيل الحياة اليومية، وهي مدونة رمزية تمكن الأفراد من تبادل معلومات مختلفة عن وضعهم الاجتماعي ككل (حالة الشخص الاجتماعية، جنسه، سنه، وضعه المادي، دوره الأسري…)، ويعتبرها الباحثون شكلا من أشكال الاتصال غير اللفظي، التي تعكس عادات وتقاليد وديانة وقيم ومخاوف المجتمع وما يمر به خلال تطوره من أحداث.

وقد استخدم المجتمع القديم الحلي كلغة تغنيهم عن لغة الكلام، وتجعلهم يتأقلمون مع بعضهم بطرق سلسة جدا.

وبالتالي لم ترتبط الحلي التقليدية بالجانب الجمالي للمرأة، بل ارتبطت بهويتها الاجتماعية ككل، وقد أشارت عدة دراسات لذلك، واستخدمت الحلي للتواصل في المجتمع الجزائري قديما، بطريق تتقارب من منطقة لأخرى، رغم وجود بعض الاختلافات ناتجة عن خصوصية بعض المناطق.

 وكل ما تحمله الحلي التقليدية من أشكال، وزخارف، وألوان لها دلالات ومعاني، كما أن طرق استخدامها ومكان وضعها على الجسم، وحتى الحلي المرافقة لها، والمناسبة التي توضع فيها تعطيها دلالات مختلفة. وسنوضح ذلك من خلال مجموعة من الحلي التي حاولنا التفصيل ونبدأ بالجبين : ويسمى العصابة في العاصمة وتعصابت في القبايلية والشاوية، يلبس من طرف المرأة عند زفافها على الجبين، وتظل تستخدمه على الجبين للدلالة على أنها امرأة متزوجة، وبالتالي تتجنب الإزعاج ويعرف الجميع أنها على عصمة رجل، أما إذا أنزل الجبين ليوضع على الصدر ففي حالة الحصاد أو إذا كانت عزباء.

كما تستخدم المرأة الجزائرية الأقراط منذ القدم للحماية من الأمراض، وفي بعض الممارسات التطبيبية، كما تستخدم للتواصل مع المجتمع، وهي أنواع وكل نوع منها لديه دلالة معينة، واستعمالاته الخاصة، فهناك أقراط تكون فضية بسيطة وخالية من الزخارف والألوان، تستخدم للفتاة قبل سن البلوغ للدلالة على أنها مازالت طفلة وأهلها لا يريدون تزويجها بعد، وهذا في المناطق الريفية وفي الصحراء وفي منطقة القبائل وبلاد الشاوية والهضاب والحضنة.

وهناك النوع الثاني وهو حلق يوضع للفتاة عندما تبلغ سن الزواج، ويكون مليء بالزخارف والالوان، خاصة في منطقة القبائل والشمال عموما، أما في مناطق الهضاب والأوراس فيكون لمشرفات هي النوع الذي يعلن الرغبة في تزويج الفتاة وتستخدم مع المقياس للدلالة على ذلك، كما تستخدم المشرفات بطرق ومعاني عدة فإذا لبست المرأة في الاوراس أو الهضاب العليا قرط واحد من  لمشرفات في أذنها اليسرى فقط، فهدا دليل على أنها مطلقة أو أرملة، وحسب ملابس الحداد التي ترتديها سيتصرف معها المجتمع، حيث تقوم في فترة عدتها أو حدادها بربط أساورها بقماش حتى لا تحدث صوتا، وتجلب إليها أنظار الرجال، كما أنه إذا ترملت المرأة  المرأة واحتدت بالأبيض فهي صغيرة وتريد الزواج بعد زوجها، و إذا احتدت بالأسود فهي يئست من نفسها ولا تريد الزواج بعده.

أما في الجنوب فتستخدم الحلق الدائرية المزينة بالعقيق، بكل ألوانه الأصفر والأحمر والسود للدلالة على استعداد الفتاة للزواج.

والنوع الثالث من الحلق هو حلق بشكل دائرة فضية أو ذهبية، غير مكتملة وغير مزينة وغير ملونة أو مزخرفة على الأغلب، تضعه المرأة التي بلغت سن اليأس حتى لا يقصدها الخطاب، كما تضعه المرأة الحامل ليدل على أنها في فترة حمل، ويفهم معناه من حال المرأة.

وهناك أقراط خاصة بمناطق معينة كالخرصة الخاصة بمنطقة تلمسان فقط تستخدم مع اللباس التقليدي الشدة التلمسانية، تستخدمها المرأة يوم عرسها.

أما  السلاسل المختلفة والقلادات فأغلبها استخدم قديما كتعويذات وتمائم للحماية ثم تطور، ومن أهمها السخاب ويصنع من أهرام صغيرة عطرية وتتوسطها قطع إما فضية أو ذهبية على حسب المنطقة، وتستخدمه المرأة المتزوجة في حضور زوجها، وتنزعه بعده وتخبؤه حتى لا يشم عطرها غيره، فالسخاب رمز لوفاء الزوجة، كما يستخدم خاصة برائحته الزكية للحماية من الأرواح الشريرة.

ونجد في منطقة الشرق خاصة الكرافاش بولحية وهو عقد ذهبي يصنع من الذهب، فيه خامسة في الوسط تستعمل لمنع الشر وجلب الحظ للعروس والمرأة بصفة عامة وحمايتها، وسمي بولحية لأن به صندوقان فيهما نوع من الذبول تتدلى مشكلة لحية.

ويستخدم في العاصمة وتلمسان خيط الروح أو الزروف وهو عاصمي ويوضع في الأصل عل  رقبة الفتاة، ثم صار يوضع عل  جبينها، عند زواجها مع محرمة لفتول.

وتبقى عقود الجوهر إختصاصا تلمسانيا، وهي عقود طويلة من حبات الجوهر تتوسطها قطع ذهبية أو فضية، مثل الكتاب أو العوينة أو الخامسة أو اللويزة، والهدف منها الحماية من العين والحسد، وقد تستخدم مجتمعة أو منفصلة، تستخدم غالبا مع لباش الشدة التلمسانية في زفاف الفتاة.

كما استخدمت المشابك في الحلي لتقليدية الجزائرية، وهي أنواع منها ما يوضع عند الولادة للمرأة التي تنجب ذكرا، ويكون بشكل دائري مزخرف في منطقة القبائل ويسمى ثافزيمث يرمز للفخر والحياة والحماية، ويجعل المرأة محترمة في عائلتها وعائلة زوجها، وتستعمله المرأة في كل المناسبات المتعلقة بابنها من ختان وزواج و…. وتتوقف عن استخدامه بعد زواجه.

وذلك لكي تورثه لأولادها وأحفادها، كما يوجد نفس المشبك بحجم صغير تضعه المرأة بعد زفاف ابنتها في صباحيتها، وتظل به لمدة سبع أيام بعد ذلك، ويدل على فخرها بأنها أنجبت فتاة وربتها، وحافظت على شرفها وشرف عائلتها، وأدخلتها عش الزوجية بنجاح .

وهنا مشبك أخر في منطقة القبائل يسمى آفريم تضعه المرأة في الجهة اليسرى من الصدر عند خطبتها، وفي منطقة الشاوية يستخدم مشبك تضعه المرأة عند ولادتها ولدا ذكرا في الجهة اليسرى وعند إنجابها بنتا في الجهة اليمنى ويسمى تابزيمت.

أما المقياس فيلبس في المعصم ويدل على مدى شطارة الفتاة وقدرتها على أداء الأعمال المنزلية، ومن الأساور أيضا نجد المسايس، وهي أساور منها رقيقة وعريضة، وتكون سبعة على العموم تسمى مسيبعات، وذلك لاحتوائها على سبعة مسايس، وذلك تبركا بالعدد سبعة، باعتباره رقم فأل وبركة لمكانته في القران الكريم، وتستخدمها المرأة في مختلف المناسبات لكن بالأخص في اليوم السابع للمولود الجديد.

والمحزمة وتحزم المرأة أول مرة عندما تتزوج، وهناك مراسيم لعملية التحزيم هذه، حيث يربط على كتفها من يقوم بتحزيمها، ويكون ذكرا من عائلة زوجها، لشد أزرها وتشجيعها لتحمل المسؤولية الجديدة عليها، وتستخدم المحزمة كذلك للمرأة المتزوجة لحماية نسلها وضمانه، فهي حماية لمنطقة الرحم سواء كانت من ذهب أو فضة.

وتستخدم المرأة الخلخال إذا تزوجت، وهو أحد الحلي التي تظهر من خلالها المرأة أنها في عصمة رجل.

وتضعها المرأة الكبيرة في السن، إذا كان عندها أبناء رجال ولها أحفاد منهم، فتفخر بهم بوضع الخلخال.

أما الرديف ويسمى أحيانا (الحناشي)، ويكون بشكل ثعبان ويحمل الثعبان في المعتقدات القديمة دلالة الحماية من كل شر، لهذا تستعمل المرأة الرديف عندما تضع مولودا جديدا لحمايته من الحسد والأرواح الشريرة، كما تضعه الأمهات لبناتهن العازبات الصغيرات للحماية من الشرور.

ونختم بالخواتم التي تستعمل من قبل كل النساء وهي رمز للديمومة والاستمرارية، لهذا يستخدم في الزواج والخطوبة، لأنه دائرة بلا بداية ولا نهاية، وهو يدل على أن الفتاة مخطوبة أو متزوجة وأن حياتها ستكون خصبة ودائمة، وتطور استخدام الخاتم الآن سواء الذهبي أو الفضي.

وهناك أنوع أخري من قطع الحلي كاللويز: والذي يسمى نسبة إلى ملك فرنسا لويزس الرابع عشر، وهذه عادة فالجزائريون يستخدمون النقود الفضية والنحاسية، وحتى الذهبية لصناعة الحلي التقليدية، إما بدمجها في صناعتها كقطع كما في الخواتم، والأقراط،…إلخ، أو بتذويبها وإعادة صياغتها كحلي بأشكال أخرى.

والمفتاح: وهو حلية أوراسية قديمة وتستخدمها الجدة أو كبيرة الدار أو صاحبتها للدلالة على أنها ذات سلطة تتصرف على خزائن البيت.

 أما الكتاب واصله تميمة او حجاب، ويستخدم بكثرة في منطقة الاوراس. و الخامسة او الخمسة كما تسمى يد فاطمة، و استخدمت منذ القدم لابعاد الشر والعين والحسد،

ونختم أخيرا بالمسكية وهي قطعة ذهبية تستخدم في تلمسان مع الجوهر أو مع سلاسل الذهب.

ونشير في الأخير إلى أن هذه الحلي التقليدية قد تغير معناها ولم تعد تؤدي دورا تواصليا رمزيا في الأسرة إلا القليل منها كالمحزمة، بل وأصبح معناها في الغالب مجهولا لدى نسوة هذا الجيل، التي تستخدمها نساء بطريقة عشواءية، كما أنها لم تعد تؤدي دور الحماية إلا ما نذر منها الخمسة مثلا….

يتبع…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

Translate »
آخر الأخبار