الفنادق التجارية و الموسيقية في قسنطينة
تعود فترة بعض الفنادق التي كانت منتشرة في مدينة قسنطينة إلى فترة الدولة الحفصية ، و هي دولة عربية إسلامية بعد الدولة الأغلبية و الدولة الفاطمية و الدولة الزيرية ، و كان يوجد بالمدينة في ذلك الوقت نوعان من الفنادق ، فنادق الإيواء للتجار الأجانب الغير مسلمين و كانت تشيد داخل الأحياء التجارية أو خارج أسوار المدينة ، و محاط بها كنائس صغيرة للعبادة و حمامات و كل ما يحتاجه الزائر من مرافق خداماتية و تكون معزولة عن المسلمين ، و كانت هذه الفنادق تشبه لحد ما السفارات و تحمل أسماء الجاليات القادمة إليها من العديد من المدن و الدول في ذلك الوقت . و فنادق للإيواء الزوار و المسافرين المسلمين و كانت داخل أسوار المدينة ، و فنادق تجارية و تم تصنيفها إلى قسمين :
أما الفنادق التي تباع فيها السلع فقد كانت تصنف حسب نوع السلع مثل : فندق الزيت ، فندق المسك ، فندق لعشوب ، فندق القماش ، فندق القمح … إلخ ، و هنا يتم تحديد مكان الفندق ، فالفنادق التي توضع فيها السلع و البضائع ذات الروائح التي تزعج السكان تكون في أطراف المدينة مثل : فندق الجلد و فندق الدباغ كانوا على أطراف المدينة و يطلان على وادي الرمال ، أما المحلات و الفنادق ذات النشاط التجاري نذكر منها مثل : فندق المسك و فندق لعشوب ، و فندق القمح ، فندق الزيت ، فقد كانت داخل المدينة ، و هذا لقربها من السكان ، لاحتياجاتهم اليومية للأعشاب و العطور و المواد الغذائية.
فن من الأندلس إلى قسنطينة :
كانت مدينة قسنطينة ملتقى الطرقات بين المدن الساحلية الكبرى و الصحراء الجزائرية فكانت معبر مرور القوافل و ملقى القوالين و المداحين و الأجواق الموسيقية المتنقلة من مدينة إلى أخرى ناقلين معهم موسيقاهم و قصائدهم ، فكانت هناك العديد من الفنادق تخص عابري السبيل و المسافرين أو فنادق خاصة بشباب المدينة الذين لم يتزوجون قبل 17 سنة مما يدفعهم للإقامة فيها لمدة أطول و يطلق عليهم في اللهجة القسنطينية إسم ( الزبانيط ) جمع زبنطوط ( بمعنى / أعزب ) ، مع مرور الوقت تحولت فنادق مدينة قسنطينة التي كانت لفنادق الإيواء و فنادق تجارية إلى فنادق فنية و ملتقى شيوخ الموسيقى و تلاميذهم ، و حضنا لعشاق الموسيقى الأندلسية.
من فنادق تجارية إلى فنادق موسيقية :
الزجل … يقال أن نوع الزجل و هو فن من فنون الأدب الشعبي و الغنائي و أحد أنواع الشعر العربي باللغة المحكية ، و الذي ظهر بعد الموشحات ، و قد وصل إلى مدينة قسنطينة بالصدفة في القرن الخامس عشر و يرجع الفضل إلى الشاعر الآندلسي : ( عبد المولى ) في إدخال الزجول إلى قسنطينة و هذا لما كان متوجهاً من مدينة مالقة ( Málaga ) في الأندلس إلى الشرق الأوسط على إحدى السفن ، فإضطرت سفينته ، إلى توجه إلى مدينة ( إجيلجلي ) جيجل حالياً ، جراء العواصف ثم إلى مدينة القل ( سكيكدة ) ، و إنتقل براً إلى قسنطينة ( هذه القصة يؤكدها أحد الزجول المعنون ( يوم خرجنا من ملقة ).
عبق الأندلس يفوح في سيرتا :
نزل الشاعر عبد المولى الأندلسي ضيفاً في أحد الفنادق ( إشبيلية الجزائر قسنطينة ) في سنة 1478 ميلادي ، لما كانت الفنادق بها فضاءات الإيواء الحضري و العمراني و هذا قبل سقوط أخر إمارة في الفردوس المفقود ( الأندلس ) ( غرناطة بـ 12 سنة ).
أقام الشاعر عبد المولى بقسنطينة لمدة و إحتك به موسيقيي المدينة ، و من ثم تحولت هذه الفضاءات من أماكن تجارية إلى فضاءات ثقافية و إجتماعية لنقل المهارات الفنية فيما بين أصحاب صنعة الغناء الأندلسي سواء كانوا من مشائخ المدينة أو من مشائخ المدارس الموسيقية العربية و المغاربية آنذاك ، و مع مرور الوقت أصبح مصطلح الفندق في مدينة قسنطينة يعني به اجتماعيا مدرسة لتعليم الموسيقى ، و قد لجأ العديد من الموسيقيين و محبي الموسيقى خاصة منها الأندلسية ( المالوف ) يؤجرون غرفاً لسنة كاملة.
أسماء الفنادق في قسنطينة :
كان لكل شيخ آلة غرفة له طوال السنة يؤجرها هو أو فرقته أو يؤجرها له أحد محبي الموسيقى ميسوري الحال ، لقد كان كل شيخ له فندق و خوفا من أن تؤخذ عنه أسرار صنعته يرفض وجود شيخ ثانً فيه . و كانت في قسنطينة عدة فنادق تقام بها جلسات السماع و الغناء بصفة دورية على مدار الأسبوع ، و يحمل كل فندق إسم صاحبه أذكر منهم : فندق سيدي قسومة في رحبة الصوف ، و فندق باش تارزي في رحبة الصوف ، فندق بن عزيب و فندق بلحاج مصطفى في الشط ، فندق قصرلي في سوق العصر ، فندق سيدي سليمان ، فندق جبدو بالرصيف ، فندق بن عزوز في السويقة.
الطائفة اليهودية في العهد العثماني و الفنادق الفنية :
انتشرت ظاهرة الفنادق بقسنطينة قبل عهد صالح باي ، و كان لليهود حضور في هذه المرافق التجارية القسنطينية المعروفة باسم ( الفنادق ) و ذلك من خلال ممارستهم لحرفة التجارة في الحرف التقليدية التي برزت فيها بعض المهارات اليهودية في الطرز و الحلي و ما يتعلق بها من تعيير و خبرة و هذا الوجود في فضاء الفندق مكن اليهود من التواصل الفني مع كل ما كان يصدر من أنغام للحوزي أو للمالوف وأصبحت الطائفة اليهودية تمارس هذا النوع من الغناء و الطرب في تلاوتها للتوراة و الشعائر الدينية و بهذه الطريقة اشترك اليهود مع محترفي الفن القسنطيني في التفاعل الفني و صار اليهود شركاء في هذه الطبوع مع المسلمين في قسنطينة.
أبرز مشائخ الزوجول في قسنطينة :
آخر عناصر الجيل الذي جسَّد فعليا خلال القرن 20 ثقافة الزجل و الزجالين القُدماء و طقوسهم في هذا الفن الأندلسي هم الشيخ بوحوالة عمر ( 1889م – 1978م ) ، المدعو ( فرد الطابية ) الذي تُنسب إليه معرفة 1500 زجل ، و كذلك الشيخ معمر براشي ( 1903م – 1990م ) ، و الشيخ مصطفى المسامري المدعو صطوفة و في رصيده 95 مقاماً و 450 قصيدة ، لشعراء أندلسيين من أمثال عطروز و ابن عنتر و قاسم السراج ، و آخرين جزائريين أبرزهم الشاعر بوشارب و بو الوذنين.
أكرم رسيم محمد صالح باي.