يعتبر مدفع بابا مرزوق المعروف بالمدفع الأسير من أقوى و أشهر المدافع التي عرفتها الجزائر خلال القرن 16، وقد صنع بدار النحاس بباب الواد سنة 1542 من طرف مختص بندقي الجنسية بأمر من الباشا حسن الذي خلف خير الدين بربروس و ذلك احتفالا بالانتهاء من أشغال بناء تحصينات الرصيف الذي يربط بين حصن البنيون و مدينة الجزائر و الذي سمي برصيف خير الدين أي مقر المتحف العمومي الوطني البحري، واعتبر هذا المدفع قطعة حربية فريدة من نوعها، حيث أن مدى قذائفه تصل إلى أكثر من 4872 متر، ووزنه 12 طن و هو مصنوع من البرونز بطول 7 أمتار، وقد وضع داخل تحصينات الميناء بين برجي السردين و القومان موجه نحو غرب المدينة إلى غاية 1830، شكل هذا المدفع إضافة نوعية للنظام الدفاعي الجزائري وعرف بجوهرة الصناعة العسكرية وحارس العاصمة والذي جعل مدينة الجزائر من جهة البحر حصنا منيعا في وجه الأعداء الذين يغورون عليها من وقت لآخر لمدة قرون من الزمن، مما كلفه حقد وضغينة الفرنسيين الذين اغتنموا فرصة سقوط الجزائر سنة 1830 لمصادر بابا مرزوق و أخذه إلى بلادهم ،وأطلقت عليه البحرية الفرنسية اسم “la consulaire” و التي تعني القنصل تخليدا لذكرا إعدام قناصلهم من طرف الجزائر و على رأسهم القنصل الفرنسي الأب “لافاشي” الذي اتهمه “حسن باشا ميزومورتو” بالخيانة من خلال تقاريره الاستخبارية المساعدة للأميرال “دوكين” في حملته الفاشلة ضد مدينة الجزائر سنة1683 و ذلك من خلال قذفه من فوهة بابا مرزوق على السفينة التي كانت تقل قائد الحملة، كما قام هذا المدفع بعد خمس سنوات بإعدام خليفة هذا القنصل و هو “أندري بيول” لنفس الأسباب و ردا على حملة 1688، ونصب بابا مرزوق بعد ثلاث سنوات من أخذه بساحة ميناء بريست الفرنسية و ذلك يوم 29 جويلية 1833, ووضع فوقه تمثالا من البرونز لديك فرنسي، وهذه الإشارة لا تخلو من الرمزية عن انتصار فرنسا على الجزائر المجاهدة و احتلالها بعد صراع و جهد طويل.
منذ الاستقلال و الجزائر تسعى و تطالب رسميا باستعادة هذا المدفع الأسير الذي طال أسره إلى بلاده و الذي شهد على قصة المقاومة التي خاضها أسلافهم أكثر من ثلاث قرون ,و ذلك من خلال بتشكيل لجنة خاصة بهذا الملف ,إلا أنها لم تخلل بعد بالنجاح سبب تمسك البحرية الفرنسية به كونها تعتبره من أملاكها.
أميرة بوحجار
