حوس بلادك !

الملح المال القديم…

22


الملح هو من بين المحسنات والمنكهات التي استخدمها الانسان في تبهير غذائه، ولقد غير ذلك الأكل بشكل جذري، كما استخدم في تخزين الطعام وحفظه، وفي مداواه الجروح وتعقيمها، وفي التنظيف، وقد استخدمه المصريون القدماء في تحنيط الموتى، وكان إنتاجه قليلا في الحضارات القديمة، لهذا نافس الذهب والمعادن النفيسة في غالائه، وكان لا يشتريه إلا الطبقات الغنية والارستقراطين في المجتمع،
وقد ذكر المؤلف الروماني بيترونيوس أنه من كثرة إهتمام الرومان بجنودهم انهم يقدمون لهم حصصا من الملح، إضافة إلى الأجور، وسميت salarium أي (مال الملح)، وهي اصل الكلمة الإنجليزية salary التي تعني الأجر او المرتب، وفي الفرنسية salaire و أصحاب الأجور salarié، وانتشرت في كافة اللغات اللاتينية، كما سميت شعوب عاشت في أوروبا بقرب مناجم الملح في ألمانيا وفرنسا وإسبانيا بالسلتيين نسبة لاستخدامها الملح.
وقد سميت عدة اماكن ومدن في كل بلدان العالم باسم الملح ففي الجزائر نجد مثلا بلدتين في مسيلة واحدة اسمها المالح، والأخرى عين الملح بالقرب من شط الحضنة، وكذلك في أوروبا مدينة سالسبرغ في النمسا، وتعني مدينة الملح (سالز= سالت= الملح).
وبما أن الملح كان في كل الحضارات القديمة يمثل الثروة، كان الناس يعتبرون رش الملح تبذير وجلب للحظ السيء، وبالتالي نذير شؤم، لدى كافة الشعوب القديمة ومنها الأوروبية، وقد عد نثر الملح على مائدة علامة شؤم، وقد استخدم هذا الرمز ليوناردو دافينشي في لوحته العشاء الأخير، حيث رغم عدم صحة الحادثة تاريخيا ألا انه رسم يهودا وهو ينثر الملح على الطاولة كنذير شؤم وهو ما انتهى بخيانته للمسيح، وتسليمه لليهود.
وقد ربطه الصينيون بين مفهومهم للملح كثروة وبين تفسيرهم لملوحة ماء البحر، وذلك في أسطورة شيقة، تروي قصة أخوين ورثا عن أبيهما مالا ومنازلا وتجارة، فإستحوذ عليها الأكبر منهما بخبثه وطمعه، واستسلم الأصغر لضنك العيش وصعوبته، فسكن وزوجته وأولاده كوخا صغيرا، وكان يعمل صيادا يقتات بما يصطاد يوميا من البحر الأصفر، وفي أحد المواسم غاب السمك عن البحر، وشح الصيد، فزار أخاه لطلب المعونة فرفض وطرده، وهو عائد لبيته مهموما مغموما، وجد جرة مرمية في الطريق فارغة، فحملها لمنزله، ولما وصل وضعها في صحن داره، فتساءلت زوجته عما أحضر بدل الطعام الذي تنتظره هي وأطفالها، ودون قصد منها تفقدت الجرة محركة إياها لليمين، فبدأت تلك الجرة تدور بسرعة وتخرج ملحا، يتراكم ويتراكم دون توقف حتى تفطن الصياد وأعاد تدويرها لجهة اليسار فتوقفت. فباع الملح واطعم أهله، وصارت صنعته تجارة الملح حتى أصبح من كبار التجار وأغتنى وتغير حاله، وأبتاع منزلا، فتسلل الحسد لصدر أخيه الطماع، الذي زاره متمسكنا ومدعيا خسارة تجارته وفقره، ثم سأله عن سره فأخبره، ثم طلب منه استعارة الجرة لأيام، فقبل الأخ الأصغر وقدمها له، واخبره عن طريقة إخراجها الملح، ومن لهفة وطمع الأخ الأكبر لم ينتظر أخاه الأصغر ليشرح له طريقة توقفها، وذهب لمنزله القريب من الشاطيء، ووضعها ثم أدارها لليمين فبدأت الجرة تدور وتدور وتخرج ملحا، حتى تكدس وتراكم فلم يجد طريقة لايقافها، فبقيت كذلك حتى غرق وأهله في الملح وانفجرت جدران منزل وسقفه، وجرف الملح كل شيء للبحر، فغرق كل شيء حتى الجرة، التي ظلت تدور وتدور وتخرج ملحا ولم يستطع أحد إيقافها، وهي لغاية اليوم حسب الاسطورة مازالت في قاع البحر تدور وتخرج ملحا، يجعل مياه كل البحار مالحة.

د. أمال عزري

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

Translate »
آخر الأخبار