الوشم… رسائل من التراث القديم…
من منا لم يلاحظ الوشم على وجه قريبة من قريباته الكبيرة في السن، أو حتى يديها أو ساقيها وفي أماكن أخرى من جسدها، بأشكال وأحجام مختلفة.
والوشم هو عبارة عن رسوم تزيينية على الجسد ويمكننا اعتباره شكل من الأشكال التعبيرية باستخدام الجسد.
ويعود تاريخ استخدام الوشم حسب الانثروبولوجيون إلى تاريخ موغل في القدم، ويعود للعصور الأولى من الحياة الإنسانية، حيث كان الإنسان عاجزا أمام الطبيعة يخافها لعجزه على فهمها وتفسيرها، وكان يقوم بتمجيدها وعبادتها، فكان تارة عابدا للبرق أو المطر وأخرى عابدا للشجر أو الحيوان، ويعبر على ذلك بروسومات مختلفة على جسده، كما أشارت الأبحاث التاريخية إلى استخدام جنود الشمال الإفريقي للوشم على وجوههن سواء في حروب هانيبال القرطاجي أو في معارك النوميدين مع الرومان، ومن جهتها أشارت الآثار الفرعونية لوجود مومياوات فرعونية لراقصات كن متوشمات في مناطق من جسدهن.
وكانت رسومات الوشم على الأغلب مستوحاة من الطبيعة المحيطة، وهي تصاميم متناسقة وبسيطة ، كالأزهار والنباتات والأشكال الهندسية المتناسقة وبعض الحيوانات، أو قد تعبر على انتماءات عرقية معينة أو معتقدات ورموز دينية.
ويستخدم الموشم أو الموشمة عدة أدوات، وهي الإبر كأداة لإحداث جرح في الجلد، وللتلوين يستخدم الكحل والنيلة والرماد، والأعشاب العطرية وغيرها
وللوشم معاني متعددة الوشم يستخدم لتحديد هوية الفرد وانتماءاته، فأفراد كل قبيلة أو مجموعة يوشمون رمزا معينا لتفريقهم عن بقية المجموعات الأخرى، أو حتى الانتماءات.
ويستخدم الوشم للحماية، حيث استخدم في البداية للوقاية على العين والحسد، وللتداوي والعلاج من بعض الأمراض، فهو حسب المعتقدات القديمة طارد للشيطان والشرور ومجلبة للخير والنسل.
كما يستخدم الوشم للزينة فهو رمز من رموز الجمال والزينة للمرأة في مصر القديمة ومنطقة الشمال الإفريقي كلها عند الأمازيغ،
ويستخدم الوشم للزينة، فوشم المرأة الشابة في مناطق معينة من وجهها وجسدها يزيدها جاذبية وجمالا على جمالها، ويعطي إيحاءات إغرائية معينة لجسدها.
وقد ورث الجزائريون ولوقت قريب عادة وشم الفتيات عند بلوغهن، فمن العادة أن يتم وضع اوشام على وجوه الفتيات عند خروجهن من مرحلة الطفولة لسن البلوغ، إعلانا بنضوجهن واستعدادهن للزواج، وتحمل مسؤوليات أسرة، فكما تحملت الفتاة وخزاة الإبر فإنها قادرة على تحمل المسؤوليات.
وقد يستخدم الوشم كذلك عند الرجال للدلالة على القوة والتفاخر للرجال، ويتم الوشم في مناطق مختلفة من الجسد، كالذراع والأكتاف…إلخ، كما قد يتخذه الرجال للتعبير عن أشواقهم لزوجاتهم وحبيباتهم، وخاصة البحارة والمحاربين الذين يغيبون في سفريات لمدة طويلة ويواجهون فيها أخطارا قد لا يعودون بعدها…
ومما ارتبط من حكايات بالوشم حكاية شاعر الملحون الجزائري ابن لمسيب، الذي عاش في تلمسان في القرن الثامن عشر، وأحب فتاة اسمها عائشة وخلدت مخيلته لحظات ذهابها للوشم بقصيدة طويلة عنوانها يا الوشام.
أمال عزري