حوس بلادك !

الوعدة ..طقوس تعود لما قبل التاريخ

187


سنبدأ بالتأكيد على أننا لسنا هنا في موقف مساءلة للوعدة من منظور ديني قيمي، وبالتالي لسنا بالمؤهلين للحكم على حليتها وحرمتها، او حتى للنقاش فيه، كما ليست لنا النية في فتح هذا الباب، وإنما كل هدفنا هو تسليط الضوء على الظاهرة الاجتماعية التراثية، والممارسات الاجتماعية التي تتم فيها، والخلفيات الأنثروبولوجية المرتبطة به.
والوعدة من الفعل وعد او نذر او تعهد بالشيء، أو الميعاد كذلك وتستخدم بالمعنيين، فهي احتفال شعبي تقوم عليه سلالة او ابناء ولي من الاولياء او حتى التابعين له، وبالتالي لديهم عهد موسمي بذلك، كما أن الوعدة لمن ينذر نذرا من الناس أو يعطي عهدا بأنه إذا فرج عليه أمر فعل كذا كذا للولي، وتعني الميعاد لأن هذا اللقاء يتم سنويا.
والوعدة هي طقوس احتفالية، يتم فيها أداء طقس احتفالي يتخذ من القبور مكانا للإقامة ولذبح الاضاحي والتبرك والاحتفال، وممارسة طقوس ورياضات تقليدية كركوب الخيل، الرقص…إلخ، والتذكير بكراما الولي، وتوزيع الاكل، وإطعام الفقراء وعابري السبيل…وهي موسمية، وذلك طلبا لعموم الخير والقبول، وتحقيق الأماني المرجوة، وتعود هذه القبور لاولياء صبغوا بصبغة الشرف والنزاهة. او حتى أجداد قاموا بتأسيس سلالة أو عرش معين، او بطن من بطون قبيلة معينة، أو علماء علموا أهل المنطقة الدين الاسلامي فقدسوهم ونزهوهم، ونسبوهم للنبي صلى الله عليه وسلم، وسموهم بالمرابطين (المرابط هو المنقطع للعلم) أو الاشراف(سلالة شريفة).
فجهل الامازيغ للدين الاسلامي، كان سببا في تمكن المتصوفة، الذين انتشروا في الدول الاسلامية في عهد انحطاطها، حيث اختلوا بأنفسهم هربا من الفوضى وضغوط وتطاحن السياسة، إلى مداشر وقرى ومناطق نائية لم يستطع الفاتحين الاوائل الوصول والتأثير على اهلها، وأوصلوا لها الاسلام ومكنوه فيها، ولكنهم سنوا على أتباعها طرقا تبعا لما كانوا يعيشونه.
وترتبط عادة الوعدة بالمغرب العربي اكثر من غيره، وكل منطقة أو عرش لديه مزار خاص به، يقوم اهله بعقد الوعدة او الزردة فيه، وهو على العموم مقام لولي صالح، يروون ما يروون عنه من الكرامات.
وأشارت الدراسات الانثروبولوجية إلى أن هذه الممارسات ترتبط بالديانات والعادات القديمة للانسان الأمازيغي، الفلاح بطبعه، الذي كان يقوم بعبادة الطبيعة وآلهتها بطرق مختلفة، والتقرب منها في مواسم معينة لينزل المطر ويعم الخير، وليكون الموسم الفلاحي خصبا، فهي تعود إلى العلاقة البدائية التي أقامها الإنسان مع طبيعته، حيث يقدم إليها القرابين بطرق مختلفة للحفاظ على الخصوبة، وللحصول على المعونة والبركة، والامطار، تشبه الصدقة او التبرع
ولما دخلوا للاسلام أعطوها طابعا آخر يتناسب مع دينهم الجديد، فهي ممارسات صبغ بها الإنسان الأمازيغي دينه الإسلامي الجديد بما ورثه من معتقدات عن اجداده حول عبادة الاوثان وقوى الطبيعة، وهذا موجود في كل المجتمعات الانسانية.
وقديما كانت الوعدة طقس الهدف منه هو التكيف مع الظروف التي يواججها العرش، ومن خلالها تتبدى لك سياسته واستراجيته وقوته في كل جوانب الحياة، اما اليوم فقد اقتصر على الجانب الروحي والترفيهي السياحي وتحقيق الفرجة فقط.

د. أمال عزري

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

Translate »
آخر الأخبار