حوس بلادك !

تعرف على أسطورة راس المحنة

1٬218

من المرويات التراثية التي تتصف بالاسطورية، قصة رأس المحنة، وهي عبارة يستخدمها الجزائريون لغاية اليوم، للدلالة على الشخص الذي يعاني الويلات في حياته، وقد ذكرت هذه القصة في قصيدة وعضية تأديبية من الشعر الملحون الجزائري للشاعر المتصوف سيدي لخضر بن خلوف، الذي عاش مابين (1479-1585)م في ضواحي مستغانم، يحكي من خلالها التحولات التي تعترض الإنسان في حياته وبعد مماته، بعنوان (رأس المحنة) أو (راس بنادم) فيها (96) ستة وتسعون بيتا، وحسب الشاعر فإن القصة ترتبط برجل صالح كان في قافلة للحج مع قومه، فتأخر عنهم وتاه في الصحراء، وبالضبط في  منطقة قرب وادي، فأغار عنه قطاع طرق فقتلوه وسرقوا ماله وراحلته، وتركوه مرميا دون دفن، فبقيت جثته مرمية إلى ان مر قوم فدفنوه، وبقي 60 عاما في قبره ذاك، ثم حدث فيضان في موسم من مواسم الأمطار، فقذف جمجمته خارج قبره، وبقيت بالعراء لمدة ثلاث سنوات، ثم صادف أن مر بها شيخ متصوف صالح وهو حسب الروايات أستاذ وشيخ الشاعر سيدي لخضر بن خلوف يسمى (الشيخ بن مرزوق)، فلما رأي الجمجمة انتبه لعبارات كتبت على جبينها، فحار في أمرها و حاورها وسألها بالله ورسوله أن تخبره عن حالها وحال صاحبها، (من هو؟ وما جنسه؟ مقيم أو غريب عن الديار؟ سلطان أم مملوك؟ مسلم أو نصراني؟…..)، وهي مساءلة طويلة، وكان يضع لكل سؤال احتمالات عدة، ولكنه تفاجأ بأن رد عليه رأس الميت فعرف عن نفسه بأنه (الهاشمي بن نونة من نسل سيدي مختار) من الوجهاء الصالحين، واخبره عن حكايته مع تيهانه في الصحراء، وقتله من قبل قطاع الطرق ودفنه، وحاله بعد الفيضان. فوضع الشيح الرأس في الصندوق، وطلب من زوجته (يمينة او يمنة) ان تحمله إلى البيت بنية إكرامه، لكن المرأة إرتابت في أمر زوجها، وأخذت  الرأس إلى عرافة، والتي أخبرتها أنه يعود إلى ضرتها التي كانت تفوقها جمالا، وأن زوجها أحبها اكثر منها، ودفعه الشوق لاستخرج رأسها والاحتفاظ به في صندوق، فقررت حرقه بجعله أحد حجارة موقدها الثلاثة والتي تسمى باللغة العربية (الاثافي) وباللهجة العامية (مناصب الكانون)، فحسبها كانت تطبخ الطعام لزوجها على راس محبوبته المزعومة (ضرتها)، نكاية فيهما معا، ولما احترقت الجمجمة نثرت رمادها للرياح على سطح دارها.

 ويقول لخضر بن خلوف في مطلع قصيدته:

جيت انسالك و انتايا ترد جوابي ** حشمتك بالله الحي القيوم

هذا وطنك و اللا جيت براني ** يا راس ابنادم لله كلمني

ياذا الراس الباقي في ابلاد القفرة ** ندعيك للجواد الخالق القيوم

الباعث الوارث خالق لا ير ** ما دام الدهر و الأيام ليك اتدوم

ازرع فيك الروح عيد لي كيف اجرى ** حدثني باللي جازوا اعليك هموم

حُر أنت و اللا مملوك حرطاني ** يا راس المحنة لله كلمني

و اللا أنت منسوب للبيت أهل السنة ** قلبك طامع بالتحرير متهني

و اللا أنت خاين قبضوا عليك اخيانة ** باعوك بقيمة وربعين سلطاني

و اللا أنت مسلم من أصحاب الجنة ** واللا ظالم من الظلام نصراني

و اللا أنت شاعر امعاك أهل القانة ** زاهي في جلسات تفسير و امعاني

…..إلى آخر القصيدة.

وتبقى هذه القصيدة نص حي، يعطينا صورة متكاملة عن حياة الجزائريين في ذلك الوقت (بداية العهد التركي)، وتفاصيل معيشته وفنهم ونقودهم وفئاتهم الإجتماعية وسفرهم وحجهم. وانتشرت الحكاية لدى العامة بعد أن غناها المغنيين الجزاءريين بعدة روايات، وأولهم البارا اعمر، وتبعه رابح درياسة، والفنانة نورة…إلخ، ويعتبر رأس المحنة اليوم رمز للمعاناة لدى الجزائريين.

د. أمال عزري

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

Translate »
آخر الأخبار