حوس بلادك !

جامع كتشاوة بالجزائر.. معلم تاريخي شاهد على تعاقب الحضارات

67

 

يشهد جامع كتشاوة، الواقع في قلب القصبة العتيقة بالعاصمة الجزائرية، على تعاقب الحضارات وتحولات الزمن، حيث يجمع بين طياته قصصا من الماضي العريق وجماليات العمارة الإسلامية. يعد هذا الصرح التاريخي رمزا من رموز الهوية الثقافية للجزائر، ووجهة سياحية بارزة تعكس تنوعا ثقافيا ومعماريا فريدا.

▫️تأسيس وتأثيرات تاريخية:

شيد جامع كتشاوة في القرن السادس عشر خلال الحقبة العثمانية، وتحديدا في عهد الداي حسين، ليكون مركزا دينيا وثقافيا يحتضن حلقات العلم والدروس الفقهية. ويمثل اسمه “كتشاوة”، المستوحى من الكلمة التركية التي تعني “الماعز”، ارتباطا بالمكان الذي كان يستخدم سابقا كسوق للمواشي.

خلال فترة الاستعمار الفرنسي، تعرض الجامع لتغيرات جذرية، إذ حول إلى كاتدرائية “سانت فيليب” عام 1832، في محاولة لطمس الهوية الإسلامية للجزائر. ورغم ذلك، ظل المكان شاهدا على صمود الجزائريين وتمسكهم بتراثهم، حيث أعيد افتتاحه كمسجد في عام 1962، مباشرة بعد استقلال البلاد، ليصبح رمزا للنصر واستعادة الهوية الوطنية.

▫️روائع العمارة الإسلامية

يمتاز جامع كتشاوة بتصميمه المعماري الفريد الذي يمزج بين الطراز العثماني والعربي الإسلامي. يتميز المدخل الرئيسي بسلالم رخامية تعلوها بوابة ضخمة محفورة بزخارف هندسية ونقوش قرآنية بديعة. أما الداخل، فيحتوي على أعمدة رخامية ضخمة، وقباب مزخرفة بآيات قرآنية، وثريات نحاسية تضيء المكان بلمسة روحانية عميقة.

يشكل المنبر الخشبي المحفور بدقة بالغة إحدى روائع الفن التقليدي العثماني، بينما تعكس الزخارف الجدارية مزيجا من الفنون الإسلامية الأصيلة، مع تأثيرات عثمانية واضحة. وقد شهد الجامع عدة عمليات ترميم للحفاظ على رونقه وجماله التاريخي، كان آخرها في عام 2017 بتمويل من الحكومة التركية، لإعادة تأهيله وترميم زخارفه المتضررة.

▫️الدور الديني والثقافي

إلى جانب دوره كفضاء للصلاة والعبادة، يحتضن جامع كتشاوة دروسا دينية وحلقات لتحفيظ القرآن الكريم، ويعد وجهة سياحية يقصدها الزوار من داخل الجزائر وخارجها لاكتشاف معالمه التاريخية والروحانية. كما يعد الموقع مركزا ثقافيا للتعريف بالتراث الإسلامي، ومكانا لإقامة المحاضرات والندوات الدينية.

▫️رمز الهوية واستمرارية الذاكرة

يمثل جامع كتشاوة اليوم رمزا لصمود الهوية الجزائرية أمام محاولات الطمس الاستعماري، وذاكرة جماعية تربط الأجيال الجديدة بماضي أجدادهم. يبقى هذا المعلم التاريخي حاضنا لتاريخ عريق وشاهدا على حقب متعاقبة، حيث تتجلى فيه روح المقاومة وروعة الإبداع المعماري.

بهذا، يعكس جامع كتشاوة امتزاج التاريخ بالدين والفن، في تجسيد حي للهوية الجزائرية المتجذرة التي ما زالت تستمر عبر الزمن، محافظة على أصالتها وتاريخها العريق.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

Translate »
آخر الأخبار