حكاية القب وأصل (التوقاب)
عاش المجتمع الجزائري منذ القديم في المدن، بطريقة محافظة جدا، وكان الجزائريون يحفظون حرمة بيوتهم ونساءهم، فلا يرى من المرأة طرف ولا يسمع لها صوت.
ولهذا كان لكل رب بيت حرم أو حريم، ومسمى الحريم باللهجة الجزائرية الحرمة (بضم الحاء وتسكين الراء)، وتعني كل ما يخص الرجل أو رب البيت ويعنى بحمايته، وتعتبر حرمة النساء هي الأهم، أي منع الغرباء من الاعتداء عليهن ولو بالتلصص عليهن أو النظر إليهن، لهذا كانت للنساء مكانة خاصة لكل من يقوم بأمرهن من الرجال، فكن لا ينتقلن إلا متسترات وبرفقة محرم، وتتحدث إحدي الجدات أنها كانت لا يسمع صوتها للغرباء بتاتا، فحتى عند حضور الضيف لزيارة زوجها كانت تحضر الأكل وتصفق بيدها ليأتي لأخذ الضيافة، وذلك إمعانا في سترها، وكل من غنت أو سمع صوتها لقبت بالمسامعية، وهو لقب وضيع يسيء لها ولعائلتها.
وقد انعكس هذا على هندسة البيوت وعمرانها، فقد بني الجزائريون قديما بيوتهم بطريقة تمنع الفضاء الخارجي من التلامس مع فضاء تواجد الحريم، لهذا كانت نوافذ البيت تفتح لداخل الدار (صحن الدار) لا لخارجها، وكانت النوافذ الخارجية تبنى بطريقة تمكن المرأة من أن تطل على الزقاق ومراقبته دون أن يتمكن أحد من رؤيتها، و استخدمت بعض الحيل الهندسية لذلك، ومنها القب، الذي يعد نافذة صغيرة في جهة الباب مغطاة بالكامل ومثقبة، بطريقة تجعل المرأة تنظر منها للخارج دون أن ينظر إليها لتميز الزوار.
وكانت النساء في البداية تستخدم القب لغرضه الأصلي، فقبل فتحها الباب توقب على من في الباب، وتفاصيلة….إلخ.
ثم مع الوقت أصبح فعل التوقاب دارجا بين النساء، وذلك حتى في حال عدم وجود طارق، لأن القب كان نافذة المرأة على العالم الخارجي تمكنها من النظر إليه مع حمايتها منه.
ومن هنا اشتق فعل (التوقاب) ثم اسم الفاعل المؤنث (الوقابة)، وأصبح هذا الفعل يعني تتبع أخبار الآخرين، ومن هنا نجد تفسيرا لاستهجان قيام الرجل بهذا الفعل (التوقاب) في الموروث الشعبي، لأنه فعل يدل من جهة على الاعتداء على الحرمات، ويأنف منه الرجل قديما، كما أنه يدل على ضعف الأنثى واختباءها وتلصصها على الأخبار، لكن للأسف نجد أن رجال هذا العصر أكثر الوقابين.
د.أمال عزري