حوس بلادك !

حكاية المنسج والصبر

223

كان للمنسج علاقة وثيقة بالمرأة الجزائرية على مر التاريخ الطويل لها، ويرجع المؤرخون تاريخ صناعة النسيج في الجزائر كالزرابي والملبوسات المختلفة يعود  لفترة ما قبل التاريخ أي لحوالي 5000  سنة، والى وقت قريب ظل المنسج السداية( آله النسيج) أحد قطع الأثاث الضرورية في كل بيت جزائري، بل ويشترط على ربة المنزل أن تتقن عمليات النسيج لتستطيع تلبية حاجات أسرتها من المفروشات والملبوسات.

ويتكون المنسج السداية (آلة النسيج التقليدية) من قطع خشبية يتم ترتيبها وبناؤها بشكل أفقي فوق بعضها، كذلك الحبال التي تستخدم لشد الخشب لبعضه وإيقاف المنسج، وضمان ثباته حتى تنتهي العملية، إضافة لبعض القطع من أعواد لقصب، والمئات من خيوط الصوف المصفوفة بجانب بعضها بعضا بشكل عمودي.

وتنصب آلة النسيج في المنزل الجزائري قديما في وسط الدار، أو في إحدى غرفه شرط أن يصل إليها الضوء بسهولة، ويترك مكان بينها وبين الحائط لتجلس النسوة للنسيج، والمنسج أنواع إما أن يكون صغيرا أو كبيرا، كما يمكن أن ينصب عموديا أو أفقيا.

ولنسيج الزرابي ومختلف المنسوجات الأخرى دورة إنتاج معينة، تبدأ من مرحلة الجز للصوف والوبر في فصل الربيع، تليها مرحلة غسله وتنشيفه في بداية الصيف، ثم نفضه وتنقيته من الشوائب فغزله وصبغه في نهاية الصيف، ثم تبدأ مرحلة النسيج التي تنطلق عادة في الخريف مع بداية موسم الحرث والبذر، وتمتد على طول فصل الشتاء، وتنتهي مع بدايات الربيع، وهكذا  فهي دورة إنتاج تتناسب مع الطقس من جهة، وتستجيب لمتطلبات الفصول والمواسم المتعلقة بتربية المواشي من جهة أخرى.

ويحتاج النسيج كعملية لطول بال وصبر بطبيعته، ومن روايات الموروث الشعبي المرتبطة بالمنسج، حكاية الإمرأة التي هربت من منسجها، فبعد أتمت نصبه في بيتها، في فصل الخريف (فصل الحرث) نظرت إليه وإلى خيوطه الكثيرة المصفوفة بجانب بعضها البعض، وإلى طولها الذي يجب أن تقوم بنسجه خيطا خيطا، فضاقت منه، وراودها شعور بالعجز وإنها لن تستطيع إتمامه، فهربت من منزلها وتركته وراءها، وهي على مشارف قريتها، وجدت فلاح يحرث أرضه الواسعة بمحراث تقليدي، فوقفت تتأمله، وتذكرت حالها، ثم دنت منه وسألته كيف تستطيع أن تكمل حرث كل هذه الأرض، وأخبرته قصتها مع منسجها، فقال لها الفلاح ناصحا: “بلخويط بلخويط حتى ينتهي” عودي لدارك ولمنسجك، ففكرت المرأة فيما قال وعادت لمنزلها، وبدأت تنسج وتقول متغنية بلخويط بلخويط كلما ضاقت ذرعا بالمنسج الذي طال عملها فيه إلى بداية فصل الربيع.

أمال عزري

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

Translate »
آخر الأخبار