حوس بلادك !

حيزيا … أيقونة الحب البدوي في الجزائر

105

يحكي قبر حيزيا بمقبرة الذواودة بمدينة سيدي خالد بسكرة، قصة حقيقية إختلف الرواة في تفاصيلها، وتعتبر من أكثر قصص التراث الشعبي الجزائري شهرة، أوصلت صورة عن جانب من حياة المرأة أو الفتاة البدوية في بيئة قاسية عاطفيا وطبيعيا، وعبرت عن تفاصيل عشقهن وتضحياتهن، فقصة حيزيا تبقى نموذجا لحياة الكثيرات اللاتي لم يصلن خبرهن عن طريق الشعر او الرواة، وضاع صداهن في فلات الصحاري ووديانها ولفه الزمن.
حياة حيزيا بوعكاز بنت أحمد بن الباي وهي أميرة تنتمي لعائلة بوعكاز وهي فرع من عرش الذواودة الذي ينتمي لقبائل بني هلال، وقد ذكرهم ابن خلدون في تاريخه، وقد استقرت في منطقة الزاب، وحكمت المنطقة حيث عين جدها على بن الصخري أميرا للعرب في منطقة الزاب ببسكرة سنة 1496م من طرف الزيانيين. ولقب أبيها بلباي لا صلة له بباي قسنطينة كما ذكر بعض النقاد العرب لقلة علمهم بطبيعة علاقة عرش الذواودة بقسطينة، ويعود استخدامه للتفخيم عند العرش لأنهم حكمو قسنطينة في لقرن 15 م.
ولدت حيزية في سنة 1855م، في بيت عز وجاه رغم بداوته، وفي بيئة مليئة بالمحرمات الإجتماعية والرقابة، التي تمارس خاصة على الفتاة، قضت حياتها بين حل وترحال، حيث كان عرشها يرتحل بين التل منطقة (بازر) بالعلمة التابعة لولاية سطيف حاليا، في بداية الصيف بحثا على الجو اللطيف والماء والمرعى لمواشيهم، كما تعد رحلتهم مناسبة للتجارة حيث يبادلون التمور بالحبوب، التي تحصد في هذا الموسم وتعتبر منطقة الهضاب المنطقة الأكثر انتاجا لها في الجزائر، ثم يعودون لديارهم في سيدي خالد ببسكرة مع بداية فصل الخريف، متنقلين في كامل المنطقة التي تفصل بينهما، وهكذا كان يعيش العرب الهلاليون وغيرهم في ذلك الوقت،

تعتبر قصة حيزيا المرأة الشابة البدوية العاشقة وسعيد بن الصغير حقيقية، بدأت منذ الصغر، حيث كان ابن عم لها، لكنه يتيم تربى في كنف والدها، وكان يكبرها، ولما صار في مرحلة الشباب أبعده أبوها عن بيته وأفرد له بيتا لوحده غيرة على أهله وبناته، لكن ظل حبهما لبعضهما حاضرا في قلبيهما، وقد استغلا كل فرصة للقاء ولو بالنظرات، وكانت رحلات الصيف للتل ورحلات الخريف للعودة للصحراء من أحب المناسبات على قلبيهما، ويقال أنه أكتشف أمرهما في أحد رحلات عودتهم في الخريف، حيث تعجب وأغتاض الأب أحمد بلباي من إبنته التي رفضت خطابا إرتضاهم هو، وكانوا من خيرة الناس حسبا ونسبا ومالا، وكلما أرغمها مرضت وتأزمت، وسأل عن السبب فأجابه خادمه إن (علة الفولة من جنبها)، كناية عن إبن أخيه الذي يجاوره في جنبه، كما أنه يأتمنه ليحرس هودج إبنته حيزيا، فيطوف عليها روحة وجية طيلة الرحلة ويمشي بجانبها، فظهر للأب أنه خدع من جنبه، وكان من العادة أنه من أعلن حبه المراة يحرم من الزواج بها، لانه يعتبر شوهها وشوه أهلها، ولهذا لما خطبها سعيد من أبيها رفضه غيرة على ابنته إضافة لفقره وقلته، وطمع أبوها في نسب يرفعه ويعزز زعامته، ومنذ ذلك الوقت بدأت رحلة عذابهما، التي أسالت الكثير من الحبر وحيرت النقاد والباحثين، لكن ما لبثت حيزية أن واجهت أباها، وأختارت الزواج من حبيبها، فزفت له وتزوجا، لكنها وللأسف توفيت بعد أربعين يوما من زواجهما، عام 1878م، وغادرت دار الدنيا في ربيع العمر 23 سنة، ودفت بمقبرة الذواودة في سيدي خالد بجانب قبره الولي الصالح، مع مجموعة من أهلها، وهناك روايات متعددة في وفاتها فهناك من يذكر أنها مرضت مرضا شديدا، وآخر يذكر انها قتلت بالضرب على رأسها، والنتيجة كانت فاجعة لسعيد بن الصغير، الذي لم يحتمل صدمته، فجن جنونه وترك الديار والعرش وهام على وجهه في البراري على فرسه (الأزرق)، حتى أرهقه، ومات بدوره بعد حيزية بثلاثين يوما، وبقي سعيد هائما في براري بسكرة وحيدا يبكيهما، إلى أن صادفه الشاعر البدوي محمد بن قيطون الصغير البوزيدي (1843-1907) فحكى له قصته، وطلب منه تخليدا لقصة محبوبته وفرسه في قصيدة، وقد تأثر إبن قيطون بحال سعيد، فكتب على لسانه مرثية غزلية طويلة زادها حزنا روي الياء الذي تنتهي به، وتقول في مطلعها:
عزوني يا ملاح في رايس لبناتسكنت تحت اللحود ناري مقديا يا أخي أنا ضرير بيا مابياقلبي سافر مع الراحل حيزيا
يا حسراه على قبيل كنا في تاويل** كي نوار لعطيل شاون نقضيا.
ويظن بعض الباحثين أن لا وجود لشخصيه سعيد إنما الشعر ابن قيطون يعبر عن نفسه، واستعار اسم سعيد ليحكي حكايته ويعبر عما اصابه، خاصة وأنه عبر عن أمور لا يعلمها إلا صاحبها كالأماكن التي زاروها في ترحالهم، ويمكن ان يكون اسمه الثاني، والرابط بين الشخصيتين لقب بن الصغير (سعيد بن الصغير) و(محمد الصغير بن قيطون)، وكذلك يمكن ان يكون أخاه، عايش مأساته عن كثب فكتبها بتلك المشاعر.
بقيت قصة حيزيا محفوظة في ذاكرة أهل بسكرة، إلى أن جاء الباحث الفرنسي كونستانتان لويس سونيك SONIECK في عام 1902م، وترجمها إلى الفرنسية، فأنتشرت، وعدلها بعده دكاترة جزائريين مثل د.سهيل ديب، وما زادها شهرة عناء أكثر من عشر مغنيين لها، ومنهم البارا عمر، وخليفي احمد، ورابح درياسة، وعبد الحميد عبابسة…إلخ، وسميت بالمراثي الكبرى، وعرفت في الوطن العربي والأدب العربي الحديث، بعدما أعاد الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة نظمها بالفصحى، وذلك بعد زيارة لقبرها الذي وقف عليه وبكى طويلا، ثم عاد لمقر إقامته في الجزائر قسنطينة، وفاجأ الجميع بعد أسبوع بنشر قصيدته المطولة بعنوان (حيزيا عاشقة من رذاذ الواحات).
غادرت حيزيا الحياة وظلت قصيدة بن قيطون، وقبرها في سيدي خالد يحكيان قصتها الحزينة، كرمز لحب قاوم جلافة الصحراء فدفنته في بداياته، يزوره العشاق والمكلومين من كل مكان في العالم.

د. أمال عزري

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

Translate »
آخر الأخبار