رمضان في حي الأقواس بسكيكدة.. بين روحانية الزمن العتيق ودفء الجيرة
يحتضن حي الأقواس، أحد أقدم الأحياء في قلب مدينة سكيكدة، شهر رمضان بروحانية خاصة، حيث تتمازج نسمات التاريخ برائحة الأكلات التقليدية وصوت الأذان الذي يتردد صداه في أزقته العتيقة. هنا، في وسط المدينة وعلى الشارع الرئيسي للولاية، يعيش الناس رمضان بطريقة تجمع بين أصالة الماضي ونبض الحاضر، ليبقى الحي شاهدا على تقاليد متوارثة وروابط اجتماعية لا تنفصل عن ذاكرته.
▫️عندما يعلن الأذان بداية الإفطار:
ينتظر سكان حي الأقواس أذان المغرب بلهفة صادقة، حيث يخرج الكثيرون قبل غروب الشمس متوجهين إلى الشارع الرئيسي أو عبر النوافذ المطلة على طول الشارع، للاستماع إلى الأذان الذي يصدح عالية من المسجد الكبير “علي الأديب” أو جامع “الزاوية”، وهما من أقدم وأعرق المساجد في المدينة، يحملان بين جدرانهما ذكريات الأجيال المتعاقبة.
ما إن يرتفع صوت الأذان، حتى تتردد عبارات “صحة فطوركم” بين الجيران كتحية تقليدية متجذرة، معلنة بداية الإفطار. ينتظر الجميع هذه اللحظة، ليس فقط لكسر الصيام، بل أيضا لتأكيد روابط الود والجيرة، التي تتميز بها هذه المنطقة العريقة.
▫️موائد الإفطار.. دفء الجيرة وعراقة الأطباق:
تتزين موائد الإفطار في حي الأقواس بأطباق تجمع بين التراث والجود، حيث تتصدرها “الشوربة بالفريك” ذات الرائحة الزكية، و”البوراك” المقرمش بحشواته المتنوعة التي تعدها الأيدي الماهرة بعناية وحب. لا تخلو المائدة أيضا من الحلويات التقليدية كـ”قلب اللوز” و”المقروض”، التي تعبر عن بهجة الشهر وروح الضيافة.
يتبادل الجيران الأطباق فيما بينهم قبل الإفطار، فتجد صواني الطعام تنقل من بيت إلى آخر، في مشهد يعكس دفء التآزر والاحترام المتبادل، وكأنهم عائلة واحدة كبيرة تتشارك البركة والخير.
▫️بعد الإفطار.. حياة متجددة في شوارع الأقواس:
تبدأ الحياة من جديد بعد الإفطار، فتكتظ الشوارع بالعائلات التي تتجول في الأزقة، والأطفال الذين يلعبون بحماس وسط أضواء الشارع. أما الشباب فيجلسون على الأرصفة أو عند زوايا الأقواس، يتبادلون الأحاديث ويحتسون الشاي الأخضر بالنعناع أو القهوة التقليدية، في جلسات تستمر حتى موعد صلاة التراويح.
يتوجه المصلون من رجال ونساء إلى مساجد الحي لأداء صلاة التراويح، حيث تكتظ المساجد بروادها، في مشهد روحي مهيب يعزز الشعور بالانتماء والإيمان.
▫️ليالي رمضان في حي الأقواس.. الأسواق والأنشطة الليلية:
تنبض شوارع الحي بالحياة بعد التراويح، حيث تفتح المحلات التجارية أبوابها لعرض سلعها المتنوعة، من الحلويات الرمضانية مثل “الزلابية” إلى الملابس التقليدية والهدايا البسيطة. الباعة المتجولون ينادون على بضائعهم، وتتعالى ضحكات الأطفال الذين يلهون في الأزقة، لتكتمل صورة حي لا يهدأ حتى ساعات متأخرة من الليل.
يتحول حي الأقواس إلى ملتقى اجتماعي وثقافي، حيث يجتمع الأهل والأصدقاء للسهر والسمر، وتكون المقاهي الشعبية مكتظة بالزبائن، فيما تتواصل الأحاديث عن الحياة والذكريات وأحوال الشهر الكريم.
▫️رمضان في حي الأقواس.. ذاكرة حية وهوية متجددة:
يظل حي الأقواس في سكيكدة خلال شهر رمضان نموذجا حيا لتعايش الأصالة والمعاصرة، حيث تتجدد روح الجيرة والتلاحم الاجتماعي، وتحافظ الأزقة العتيقة على ذكرياتها، لتروي قصصا من الماضي وتعاش في الحاضر. رمضان هنا ليس مجرد طقس ديني، بل هو حدث اجتماعي وثقافي يعزز هوية المكان وروح أهله، ويعيد للحي العريق نبض الحياة كل عام.