يحل شهر رمضان كل عام ليحمل معه أجواء روحانية خاصة، حيث تتغير إيقاعات الحياة، وتمتلئ البيوت بروائح المأكولات التقليدية، وتتجمع العائلات حول موائد الإفطار. لكن بالنسبة للجزائريين المغتربين، يأخذ رمضان طابعا مختلفا، تتداخل فيه مشاعر الحنين مع محاولات التكيف، بينما يسعون جاهدين إلى استحضار أجواء الوطن في بلاد الغربة.
▫️رمضان في المهجر… طقوس متجددة رغم البعد
يعيش الجزائريون المنتشرون في مختلف أنحاء العالم رمضان وسط تحديات متعددة، تتراوح بين اختلاف ساعات الصيام، ونقص الأجواء الدينية والاجتماعية، وحتى افتقاد المكونات الغذائية التي تميز المائدة الجزائرية. ومع ذلك، فإن الجالية الجزائرية عرفت دائما بقدرتها على التأقلم وإعادة خلق الأجواء الرمضانية بكل تفاصيلها، من خلال تشكيل مجتمعات مصغرة تحافظ على روح الشهر الفضيل.
في فرنسا، التي تضم واحدة من أكبر الجاليات الجزائرية، تتحول بعض الأحياء ذات الكثافة المغاربية إلى فضاءات رمضانية بامتياز. تزين المتاجر بالهلال والفوانيس، وتعرض الأسواق المؤقتة مكونات أساسية لتحضير الأطباق الجزائرية مثل التمر، الزلابية، والحريرة. أما في كندا، حيث يمتد النهار لساعات طويلة خلال بعض السنوات، يواجه الجزائريون تحديا مضاعفا في التوفيق بين الصيام والعمل، لكنهم يجدون في الجمعيات الإسلامية متنفسا عبر موائد الإفطار الجماعية التي تجمع مختلف الجنسيات.
▫️مائدة الإفطار… حنين إلى أطباق الوطن
تحافظ الأسر الجزائرية في الخارج على عاداتها الغذائية رغم صعوبة العثور على بعض المكونات التقليدية. ففي أوروبا وأمريكا الشمالية، تنتشر محلات تعرض منتجات جزائرية مستوردة، ما يتيح للمغتربين فرصة تحضير أطباقهم المفضلة مثل الشوربة، البوراك، والكسكس.
لكن في بعض البلدان، يضطر المغتربون إلى البحث عن بدائل للمكونات الأصلية، فيلجأون إلى تحضير “بوراك” بمكونات متوفرة محليا، أو استبدال توابل “الشوربة” الجزائرية بتوابل مشابهة. ورغم ذلك، يبقى طعم الأطباق مرتبطا بالذاكرة، فيصبح تناولها طقسا يستحضر لحظات العائلة والدفء المفقود.
▫️التراويح والمساجد… تواصل روحي رغم المسافات
تعتبر صلاة التراويح أحد أبرز الطقوس التي تجمع الجاليات المسلمة، والجزائريون ليسوا استثناءً. ففي دول مثل فرنسا، ألمانيا، وكندا، تعج المساجد بالمصلين بعد الإفطار، حيث يحرص الجزائريون على أداء الصلاة في جماعة، ويجدون فيها فرصة لتعزيز روابطهم الاجتماعية.
أما في الدول التي تندر فيها المساجد، يلجأ البعض إلى أداء التراويح في المنازل، بينما تقام في بعض الأحيان صلوات جماعية في مراكز ثقافية أو قاعات مستأجرة. هذه التجمعات تتحول إلى ملتقيات تعويضية، حيث تناقش أمور الدين، وتستعاد ذكريات رمضان في الجزائر.
▫️العيد… فرحة ممزوجة بالشوق
مع اقتراب نهاية الشهر، تتجدد مشاعر الحنين عند المغتربين، إذ يشكل عيد الفطر لحظة يتضاعف فيها الإحساس بالبعد عن الوطن. في ظل غياب الأجواء الاحتفالية التي تميز المدن الجزائرية، يحاول المغتربون خلق أجواءهم الخاصة من خلال تبادل الزيارات، تحضير حلويات العيد التقليدية، أو حتى التواصل عبر المكالمات مع الأهل في الجزائر.
في بعض البلدان، تنظم الجمعيات الإسلامية فعاليات خاصة بالعيد، تشمل صلاة جماعية في الحدائق أو القاعات الكبرى، مع توزيع الحلويات والهدايا للأطفال، في محاولة لإضفاء جو من الفرح وسط الغربة.
▫️رمضان بين التأقلم والحنين
رغم كل الجهود التي يبذلها الجزائريون في الخارج لإعادة خلق أجواء رمضان كما عرفوها في وطنهم، يظل الإحساس بالغربة حاضرا، خاصة عند حلول وقت الإفطار أو خلال ليالي التراويح. ومع ذلك، فإن هذا الشهر الفضيل يبقى فرصة لتعزيز الروابط بين أفراد الجالية، وإحياء التقاليد حتى في أقاصي الأرض.
فبين محاولات التكيف وتحديات الغربة، يبقى رمضان عند الجزائريين المغتربين أكثر من مجرد صيام وإفطار، فهو تجربة وجدانية تعيد وصلهم بجذورهم، وتؤكد أن الوطن لا يفارق القلوب، مهما بعدت المسافات.