حوس بلادك !

صناعة الزرابي في غرداية: حرفة تقليدية ضمن التراث الثقافي اللامادي

11

 

 

تنسج نساء واحات وادي ميزاب في ولاية غرداية خيوط الزربية بخبرة تناقلنها جيلا بعد جيل، في طقس تقليدي يجمع بين الإبداع اليدوي والحمولة الرمزية. اذ تعد الزربية الغرداوية منتجا حرفيا وقطعة ديكور، كما أنها شاهد على ثقافة متجذرة في عمق المجتمع الإباضي، حيث تتداخل الألوان، الأشكال، والرموز لتروي قصة الإنسان، المكان، والذاكرة الجماعية.

▫️تراث يدوي مصبوغ بهوية الصحراء

ينتمي فن نسج الزرابي في غرداية إلى التراث غير المادي الذي تم إدراجه سنة 2012 ضمن قائمة التراث الثقافي الإنساني من قبل منظمة اليونسكو، لما تحمله هذه الزرابي من دلالات حضارية تعكس نمط حياة مجتمع تميز بالبساطة، التوازن، والتناغم مع الطبيعة. وتصنع الزرابي يدويا بالكامل من صوف الغنم المحلي، بعد معالجته وغزله بطريقة تقليدية، قبل أن يحول إلى خيوط تصبغ بألوان طبيعية، أغلبها مستخرجة من النباتات الصحراوية أو التربة.

تتميز الزربية الغرداوية بمقاسها المستطيل، وبتصميمها الهندسي المتناظر، وباحتوائها على رموز أمازيغية ودينية، ترسم بدقة عالية. ومن أبرز هذه الرموز: المثلث الذي يرمز إلى الجبل أو القوة، الخطوط المتقاطعة التي تشير إلى وحدة القبيلة، والمعينات التي تمثل التوازن بين العالم الروحي والمادي. الألوان المستخدمة ليست عشوائية بدورها، إذ يحمل الأحمر دلالة الحياة، بينما يشير الأسود إلى الحذر أو الوقار، ويعبر الأصفر عن الدفء والنور.

▫️حضور تقليدي في السوق وطقوس الزواج

في الأسواق التقليدية لمدينة غرداية، وخصوصا في “سوق ثنية المجاهدين”، تبرز الزربية كمنتج رئيسي يجذب الزوار من داخل وخارج الوطن. وتعرض في المحلات على الجدران كما تفرش على الأرض، في تناغم بين قيمتها الجمالية والروحية. وتعتبر الزربية أيضا مكوّنا أساسيا في طقوس الزواج، حيث تهدى للعروس ضمن جهازها، ما يعكس بعدها الرمزي كحاملة للبركة والتمنيات الطيبة.

▫️بين التلقين التقليدي وتحديات العصر

يرتبط فن الزربية في غرداية كذلك بنظام تعليمي تقليدي، حيث يتم تلقينه في إطار “العزابة” وداخل الورشات العائلية، في نظام يتكامل فيه العمل الحرفي مع الأخلاقيات المجتمعية، كقيم الإتقان، الصبر، واحترام المادة الأولية. وقد ساهم هذا النسق في الحفاظ على أصالة هذا الفن رغم التحديات التي تواجه الحرفيين، مثل صعوبة توفير الصوف الطبيعي، غلاء المواد الطبيعية، وتراجع الإقبال على المنتجات اليدوية لصالح البضائع الصناعية المستوردة.

ومع ذلك، لا تزال الزربية الغرداوية تحظى بمكانة معتبرة في المعارض الوطنية والدولية للحرف، كما أن المتاحف الجزائرية تحتفظ بعينات نادرة منها، تعود إلى القرن التاسع عشر، مما يعكس القيمة الفنية والتاريخية لهذا الموروث. وقد خصصت وزارة الثقافة الجزائرية برامج دعم تهدف إلى حماية هذا التراث، عبر تسجيله وتوثيقه وإدماجه في مشاريع التنمية السياحية والثقافية، خاصة في ولايات الجنوب.

تعد الزربية في غرداية أكثر من منتج مادي، فهي لغة صامتة تحكى بالخيوط، وترجمة بصرية لحضارة كاملة تنسجها أياد أنثوية ماهرة، تسكنها الحكمة وتتقن التعبير عن هوية مجتمعها بلون وصوف ونقش.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

Translate »
آخر الأخبار