عادة ” رش موكب العروس بالماء”
قبلنا الكثير من العادات عن أسلافنا، دون إن نفهم معناها، ومنها رش الطريق الذي تسلكه العروس وموكبها بالماء، سواء كان ماءً عاديا أو ماء الورد المقطر، وهي عادة تعود لأسطورة قديمة ذكرت في الميثولوجيا الأمازيغية، تعود لعصور عبادة آلهة الطبيعة المختلفة، وهي مرتبطة بإله المطر (آنزار) في بلاد الأوراس، حيث كانت تعيش في أحد جباله فتاة شديدة الجمال سميت في بعض المصادر (تيسليت) التي تعني الخطيبة، و قد اشتهرت تيسليت بين قومها بصفتين هما الحياء و الحب الشديد لينابيع المياه و الأنهار، فكانت تهيم في الجبل الأوراس تتجول بين جداوله وينابيعه لتستمتع بالماء، وتمضي يومها في زيارة جميع الوديان و العيون و الينابيع التي تعرفها بأسمائها.
وذات يوم بينما كانت تيسليت ترتوي من إحدى البرك التي تجتمع فيها مياه الينابيع المختلفة، أرعدت سحب في الأفق البعيد، كان ” آنزار ” إلاه المطر يقودها لإحدى الأماكن البعيدة ليسقي أرضها، لكن شيئا ما شد انتباهه فوق الأرض، شيء ظنه للوهلة الأولى شعلة منيرة تشبه التي تنير عالم الآلهة الفوقي سقطت صدفة على بلاد الأوراس، فنزل أنزار ” فوق المكان الذي كانت تتحرك فيه، فوقع بصره على تلك الفتاة الفاتنة، وسمعها تغني أعذب الألحان.
ومنذ ذلك اليوم قرر آنزار الاستقرار فوق سماء الأوراس بعد أن شدته تيسليت بكل ذلك الخجل و الحياء، وراح يغدق على جباله بالغيث تعبيرا عن حبه لتيسليت، فاخضرت الأرض، و فاضت ينابيع المياه، وأنتجت الأرض كل أنواع الخير لقوم تيسليت، وظل الأمر على حاله إلى أن قرر (آنزار) أن يطلب يد تيسليت للزواج .
وفي صبيحة أحد الأيام و بينما كانت الفتاة تجلس على ضفة إحدى البحيرات، نزل وميض خاطف من السحاب للأرض، وتحولت لرجل شاب في مقتبل عمره، وتقدم إليها، وطلب إليها أن ترافقه ليتزوجها فرفضت، لم يستوعب سيد الفصول الأربعة ما حصل، لكنه أدرك أن عالم البشر معقد أكثر مما كان يظن، و استمر في الإلحاح على تيسليت التي ظلت تصده عن نفسها، فشعر بإهانة كبيرة، فانقلب حزنه إلى غضب وصاعقة مدوية ارتدت نحو السماء بلا رجعة، توقف بعدها المطر، وبعدها دامت شمس إفريقيا الحارقة، و جفت الوديان والأنهار تتراجع، لتجد تيسليت نفسها ضائعة.
وأدركت كم كان حب أنزار مثمرا وخصبا وجالبا للسعادة، لذلك قررت القبول بطلب آنزار لتكون زوجة له، فراحت تناجيه في صلواتها راجية عودته.
و هو ما حدث في يوم ما إذ جاء في سحاب أسود ثقيل تنطلق منه ومضات البرق… جاء الغيث الكثير، ورقص السكان تحتها مقيمين الولائم و الاحتفالات، وسارعت عروس المطر الخطى لملاحقات حبيبها، الذي طار بها للسماء في وميض خاطف ترك خلفه الخصوبة والخير، وتحولت تيسليت منذ ذلك اليوم إلى قوس قزح، التي تعتبر عروس المطر في الثقافة الشعبية الأمازيغية الجزائرية.
و هكذا توارث سكان الجزائر لقرون طويلة عادة رش موكب العروس بالماء، كتمثيل رمزي لصورة تسليت الفتاة الحيية العفيفة والجميلة، التي تزوجت لتخصب أرض أهلها بعدها، ولتجلب الخصوبة لأهل زوجها، ذي الخصال النفيسة الذي يأتي بلخير لها ولقومها، ويرفع مقامها.
د.أمال عزري