حوس بلادك !

عيشوناش الجلابية اسطورة سلطانة الشرف….

191

تقرت هي حاضرة قديمة الوجود لها تاريخ طويل يعود حسب الدراسات الى القرن الرابع الميلادي، اي انها أسست في العهد النوميدي، وقد كانت في عهد الرومان ومن تلاهم من وندال وبزنطيين مقصدا لمن اراد الفرار من ظلم وتعنت الرومان المستعمرين، فهي بوابة الصحراء الأفريقية، واسمها تقرث يدل على ذلك فأصله الأمازيغي (تابورث) ومعناه الباب أو البوابة، كما تسمى تقرت بوادي ريغ نسبة لقبيلة ريغة وهي فرع من قبيلة زناتة الأمازيغية الكبيرة، أقاموا بالمنطقة في القرن الخامس عشر.
وهي راعي طريق التجارة بين الشمال والجنوب، ومن المغرب ايضا، وبعد مجيء الإسلام لشمال افريقيا، لم تتخلى تقرت على دورها هذا، بل زاد باعتبارها معبرا للحجاج خاصة من المغرب، وأصبحت تابعة للحكم الإسلامي بمختلف دوله المتتالية على المغرب الأوسط، حيث كانت تابعة للرستميين ثم للحمادينين ثم بني حفص، وبعدها حكم بني جلاب أو الجلابيون نسبة ل(الحاج سليمان بن رجب بن جلاب المريني) تقرت، وذلك تحت راية الأتراك ما بين (1445- 1854) م، أي قبل دخول الاتراك لجزائر بني مزغنة في الشمال بقرابة قرن من الزمن، وتعتبر الفترة الجلابية أطول فترة حكم مرت بها تقرت (4 قرون كاملة)، تخللها حكم الكثير من السلاطين، ثم أصبحت تابعة لبايلك الشرق وصارت تسمى صحراء قسنطينة، لكنها حافظت على استقلالها، واكتفت بدفع الجزية لخزينة البايلك فقط. ثم انقسمت المملكة وتفرق الملك على أبناء عمومة، بعضهم بقي في تقرت والبعض الآخر حكم تماسين، وتقع بالقرب من تقرت، حيث أسسوا ملكا خاصا بهم، لكن ظلت الصراعات والعداوات قائمة بين الجانبين لردح من الزمن.
وفي العشرية الثانية من القرن التاسع عشر حكم مملكة تماسين سلطان له إبنة آية في الجمال، تناقلت حكايتها بين الناس، وأحبها سلطان تقرت الشاب الذي تقلد الحكم سنة (1831)م، وهو (علي الرابع بن الكبير) حبا جما على عدائه مع آبائها، فسعى في خطبتها لكن طلبه رفض، وأعاد الكرة فرفض، حتى يئس من ذلك وأحس بالمهانة، فغزى مملكة أبيها بغتتة وخطفها، لكنه على ذلك عاملها بلين، ولأنها إبنة عم له تزوجها وأكرمها، ليكسبها ويكسب حبها، فلانت له لكنها اشترطت أن يزورها والدها لتطلب إليه أن يسامحها، على قبولها بعدوه. وسعى هذا الملك لتحقيق رغبة عائشة (عيشوناش الجلابية) كما تسميها الرواية، فتم الاتفاق بمشقة، ثم اشترط أبوها أن لا يزورها ألا اذا أفرد لها جناح في القصر خاصا بها فتم ذلك. ثم طلبت من الملك أن تعد الكسكس لوالدها يوميا ليرضى عنها، فكان لها ذلك، وقد عملت على كسب ثقة زوجها فكانت ترسل لوالدها الكسكس لوحده، ولما توقف التفتيش، بدات ترسل له البارود الذي تجلبه من مخازن خاطفها (سلطان تقرت)، وتضعه أسفل القفة وتغطيه بالكسكس أو الدقيق الخشن، واستمرت على ذلك مدة، فلما ظاق زوجها ذرعا بالأمر، دعت والدها في رسالة قالت فيها ( يا من تفهم كنه الكلام، أنا ابنتك التي انهكتها خدمتك فأصبحت ضعيفة متعبة، تنتظر أن تتفضل عليها بزيارتك)، ولما قرأ زوجها الرسالة قال مستعجلا فليأتي وليعجل بمجيئه، وعندما وصلت آخر قفة لملك تماسين فهم معنى ابنته، فغزى مملكة تقرت في ليلته تلك، وقتل ملكها سنة (1833)م وكثير من رجاله، الذين كانوا يدافعون عن أنفسهم ومدينتهم بلخناجر مقابل البارود. ونجحت عائشة (عيشوناش الجلابية) في الانتقام لشرفها وشرف أبيها، وليس هذا فحسب بل أصبحت سلطانة تقرت لمدة 7سنوات (1833-1840)، من بعد.

د. أمال عزري

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

Translate »
آخر الأخبار