غرداية.. رمضان في قلب الواحات
تنبض غرداية بروح رمضان وسط طبيعتها الصحراوية الخلابة، حيث تنسج المدينة القديمة تفاصيل شهر الصيام ضمن موروث ثقافي متجذر. في هذه الواحة، يلتقي الإرث الإباضي بالتقاليد الرمضانية، ليشكل لوحة فريدة تميزها عن بقية المدن الجزائرية، إذ يتداخل العمران التقليدي، بنظامه المعماري الفريد، مع أجواء روحانية تعكس أصالة الحياة في الصحراء.
▫️إيقاع رمضاني مختلف
مع اقتراب مغيب الشمس، تشهد أحياء غرداية حراكا متزايدا، حيث يستعد السكان للإفطار على طريقتهم الخاصة. في الأسواق الشعبية، يعرض التجار منتجات تقليدية تمتد جذورها إلى قرون، من الحرف اليدوية المصنوعة من السعف والطين، إلى التمور المحلية التي تشكل جزءا أساسيا من المائدة الرمضانية. عند الأذان، يتجمع الأهالي داخل البيوت ذات الطابع الهندسي الفريد، حيث تسود الأجواء العائلية حول أطباق “التشيشة”، “البركوكس”، و”المردود”، التي تعكس الهوية الغذائية للمنطقة.
▫️التراويح بين المعمار والروحانية
بعد الإفطار، تتحول المدينة إلى مشهد نابض بالحياة، حيث يتوجه المصلون إلى المسجد الكبير، أحد أقدم المعالم الدينية في غرداية، لأداء صلاة التراويح. داخل هذا الصرح التاريخي، تتماهى روحانية الشهر مع العمارة البسيطة، التي صممت لتوفير السكينة والخشوع. في الأزقة المحيطة، تتواصل الحركة حتى ساعات متأخرة، حيث تجتمع العائلات أمام البيوت ذات القباب البيضاء، ويتبادل السكان التهاني في أجواء تسودها الألفة.
▫️جلسات السمر وحكايات التراث
مع حلول السحور، تنبض الساحات والجلسات العائلية بالحياة، حيث تجتمع العائلات لتناول أطباق خفيفة مثل “المسفوف” و”الزفيطي”، إلى جانب الشاي الصحراوي الذي يعد رفيق الليالي الرمضانية. في هذه الجلسات، تتناقل الأجيال حكايات التراث الغرداوي، التي تعكس قيم التضامن والتكافل، بينما يتجاذب الشيوخ أطراف الحديث حول تاريخ المنطقة، ونظامها الاجتماعي الذي ينظم الحياة داخل الواحات منذ قرون.
▫️سوق الليل.. حركة لا تهدأ
على خلاف المدن الكبرى، يستمر النشاط في غرداية حتى وقت متأخر من الليل، حيث تفتح الأسواق أبوابها أمام الزوار، وتتحول الساحات إلى فضاءات مفتوحة تكتظ بالحرفيين والتجار. هنا، يمكن للزائر أن يكتشف مهارات الصناع التقليديين، الذين يحافظون على فنون الحياكة والنسيج وصناعة الفخار، في مشهد يعكس ارتباط السكان بتراثهم رغم تطورات العصر.
▫️رمضان بنكهة الواحة
لا يشكل رمضان في غرداية مجرد فترة صيام، وإنما يعد تجربة ثقافية واجتماعية متكاملة، حيث تلتقي روحانية الشهر مع خصوصية المنطقة، لتمنح سكانها وزوارها إحساسا فريدا بالانتماء. في هذه المدينة التي تمزج بين البساطة والعمق الحضاري، تبقى ليالي رمضان مشعة بالضوء، نابضة بالحياة، وموشومة في الذاكرة الجماعية كجزء لا يتجزأ من الهوية الجزائرية.