لبراح… وسيلة اعلام تراثية تندثر…
البراح، الخبارجي، الناعي، كلها أسماء لوظيفة مهمة في المجتمعات القديمة على اختلاف تسمياتها، وهو المنادي بالعربية الفصحى، والاسم العام له هو البراح في اللهجة العامية الجزائرية، كما تطلق عليه تسميات عدة تتغير بحسب جوهر وموضوع عمله في كل مرة، فنجده براحا إذا أعلن عن حدث معين أو ضياع غرض أو حتى طفل أو حيوان، أو يعلن عن حدث معين كمجيء حاكم جديد أو تغيير أي نظام في المجتمع التقليدي القديم، ويسمى مداحا إذا كان الغرض من عمله مدح فرد أو جهة ما، أو حتى الغناء وإنشاد الأغاني والقصائد، وخبارجيا إذا كلف بنقل أخبار إلى أهل المدينة أو القرية ونقل أوامر الحكام وقراراتهم، وأخبار الحروب والسلم والقوافل، والحوادث، وقد يكون من وظائف البراح أيضا إعلان دخول رمضان والعيد، كما قد يكلف بوظيفة إعلان وقت الفطور وإيقاض الناس للسحور أو لمسحراتي، وهو ناعي إذا كان ينعي وفاة شخص معين لأهل منطقة معينة، وهي أحد وظائف البراح الأساسية في المدن القديمة، فإذا توفي شخص في القرية أو المدينة أتو الناس للبراح، وعينوه ناعيا لميتهم في السوق، وذلك لتسريع قضاء الحقوق والديون من أهل هذا الميت، فمن له حق عنده يذهب لأهله لتخفيف حسابه، كما أنه من أراد حضور العزاء والجنازة أو إحضار صدقات لأهله، ويتمركز عمل البراح في السوق وله أجرة على حسب مكان التبراح ومدته وعادة يبدأ عمله التبراح من السوق وينتهي فيه، وعادة ما يبدأ مناداته بعبارات مشجعة، وفيها نوع من الموسيقى للجذب من قبيل “اسمعوا يا سامعين ما تسمعوا غير الخير والعافية”، أو “ياناس الحاضر يعلم الغايب”.
ويعتبر هذا العمل فن من الفنون القولية أو الشفوية فهو يعيد صياغة موضوع التبراح بطريقة قصيرة وبسيطة يفهمها كل من يسمعها،ويستخدم أدوات مثل الطبل في مناطق ساحلية شمالية، أو البندير في مناطق داخلية الحضنة الهضاب والجلفة الاغواط، وقد استخدم البراح في الثورة الجزائرية لنقل أخبار تحركات العدو، حيث كانت قمم الجبال هي أماكن توادجهم، وينتشرون عليها بشكل منظم جدا، ويستعملون عبارات متفق عليها لنقل الأخبار، من قمة جبل لأخرى فيعلموا أهل القرى المجاورة وحتى المجاهدين في الجبال بكل تحركات العدو، ومن منا لا يعرف عبارة : ياو عليكم من قالمة التي تردد في دورية نحو الشرق.
والآن في المجتمع الحديث اقتصر عمله في أكثرية المناطق في الجزائر على الأعراس والحفلات فقط وأصبح حضوره فلكلوريا أكثر من أداء وظيفة فعلية في الأعراس.
د.أمال عزري