يتوجه آلاف المسافرين سنويا إلى المطارات حول العالم، وهم يعلقون آمالا على أن تصل رحلاتهم ومقتنياتهم بأمان إلى وجهاتها المقصودة، لكن كثيرين يفاجؤون بواقعٍ مزعج، ضياع أو تأخر الأمتعة. هذا الحادث لا يقتصر على مطارات العالم الثالث فقط، بل تسجل حتى كبرى المطارات في أوروبا وأمريكا حالات فقدان متكررة للأمتعة، ما يستدعي وعيا وإجراءات دقيقة من المسافر لضمان حماية حقوقه وسرعة استرجاع مقتنياته.
▫️البداية في المطار: التحرك الذكي
فور اكتشاف أن الحقيبة لم تصل إلى السير بعد الهبوط، يعد التوجه مباشرة إلى مكتب الأمتعة المفقودة (Lost & Found) الخطوة الأهم. يجب تقديم بطاقة الصعود إلى الطائرة (Boarding Pass) وتذكرة الأمتعة (Baggage Tag) الخاصة بالرحلة، وهي الوثائق الأساسية التي تمكن موظفي المطار من تتبع موقع الحقيبة.
في هذه المرحلة، يقوم الموظف بفتح بلاغ رسمي يعرف بـPIR (Property Irregularity Report)، حيث تدون فيه كل تفاصيل الحقيبة من حيث الشكل، الحجم، اللون، والمحتوى التقريبي، مع تزويد المسافر برقم تتبع يسمح له بمراقبة حالة البلاغ إلكترونيا.
▫️أنظمة التتبع الإلكتروني: هل تساعد؟
تعتمد معظم شركات الطيران الكبرى على أنظمة تتبع إلكترونية عبر الباركود المثبت على بطاقة الأمتعة. ويمكن للمسافر تتبع حقيبته باستخدام موقع الشركة أو تطبيقها الرسمي، وهو ما أتاحته شركات مثل Air France وLufthansa وTurkish Airlines وحتى Air Algérie في بعض الرحلات.
تشير بيانات الاتحاد الدولي للنقل الجوي IATA إلى أن 85% من الأمتعة المفقودة يتم استرجاعها خلال 48 ساعة، خاصة في حال تأخرها نتيجة سوء تحميل أو تغيير الطائرة.
▫️حقوق المسافر وفق اتفاقيات دولية
تمنح اتفاقية مونتريال لعام 1999، التي صادقت عليها الجزائر ومعظم الدول، الحق للمسافر في الحصول على تعويض عن الأمتعة المفقودة أو المتأخرة أو التالفة. ويصل سقف التعويض إلى ما يعادل 1288 وحدة حقوق سحب خاصة (SDR)، أي حوالي 1600 يورو حسب سعر الصرف الحالي، شرط أن يقدم المسافر طلبا مكتوبا في الآجال المحددة:
في حال تأخر الأمتعة: خلال 21 يوما من تاريخ استلامها.
في حال فقدان نهائي: بعد 21 يوما دون العثور عليها.
أما في حال ضياع الأمتعة داخل الجزائر، فإن القانون المدني الجزائري ومرسوم النقل الجوي الداخلي يلزمان الشركة بتحمل المسؤولية وتقديم تعويض مناسب، وإن كان ذلك يتطلب متابعة إدارية دقيقة.
▫️المحتويات الثمينة: ماذا يقول القانون؟
تنصح معظم شركات الطيران بعدم وضع أشياء ثمينة كالمجوهرات أو الأجهزة الإلكترونية أو الوثائق الحساسة في الحقائب المسجلة، لأنها غير مسؤولة عنها قانونيا. وقد يرفض التأمين تغطية محتويات لا يفترض وجودها في الشحن.
لهذا السبب، يفضل حمل هذه العناصر في حقيبة اليد، مع الاحتفاظ بنسخ إلكترونية أو مصورة من الوثائق المهمة (جواز السفر، بطاقة الهوية، تأشيرة السفر، إلخ).
▫️التعويض المؤقت: فواتيرك تنفعك
إذا كانت الحقيبة تحتوي على مستلزمات أساسية، وكنت مضطرا لشراء ملابس أو أدوات نظافة خلال فترة انتظار الحقيبة، فبإمكانك طلب تعويض مؤقت من شركة الطيران. كل ما عليك هو الاحتفاظ بالفواتير الأصلية، والتقدم بطلب خطي لإعادة المبلغ ضمن الحد الأقصى المسموح.
وتختلف قيمة هذا التعويض من شركة لأخرى، لكنه يشمل عادة النفقات المعقولة والضرورية فقط، مع رفض المصاريف الترفيهية أو غير المرتبطة بالوضع الطارئ.
الحقيبة لم تسترجع؟ إليك الحل من الذين عاشو التجربة
بعد مرور 21 يوما دون العثور على الحقيبة، تعتبر مفقودة بشكل نهائي، ويحق للمسافر المطالبة بتعويض نهائي عن محتوياتها، بشرط تقديم إثبات لقيمة المحتويات (فواتير، صور، شهادات ضمان…). وإن تعذر ذلك، يعتمد على التقدير المتوسط لقيمة المحتوى.
وفي حال رفضت الشركة الاستجابة أو قدمت تعويضا غير عادل، يمكن اللجوء إلى الهيئة الوطنية للطيران المدني أو إلى القضاء، وفقا لما ينص عليه القانون.
▫️الوقاية خير من الضياع
لتفادي ضياع أمتعتك كل ما عليك فعله هو:
تصوير الحقيبة من الخارج ومن الداخل قبل السفر.
لصق بطاقة تعريف باسمك ورقم هاتفك على الحقيبة.
استخدام حقيبة مميزة يسهل تمييزها على السير.
وضع نسخة من مسار الرحلة داخل الحقيبة.
الاحتفاظ بالوثائق والفواتير إلكترونيا على الهاتف أو السحابة.
إن فقدان الأمتعة تجربة مزعجة لكنها ليست كارثية، إذا ما اتبع المسافر الخطوات الصحيحة وسجل البلاغ في الوقت المناسب. ومع تطور الأنظمة الرقمية وتزايد وعي المسافرين بحقوقهم، بات استرجاع الحقيبة أو نيل التعويض العادل ممكنا أكثر من أي وقت مضى. المهم أن تكون مستعدا، وأن تتعامل مع الموقف بعقلانية… فالسفر تجربة، ومهما حصل، لا تدع الحقيبة تفسد الرحلة.
