وادي سوف… أصل التسمية
يعود تاريخ واد سوف إلى أزمنة بعيدة جدا، وقد أظهرت البحوث التاريخية ذلك، حيث وجدت بها آثار للإنسان القديم منذ ما قبل التاريخ حوالي 2000 ق. م، كما أنها عاشت مرحلة الفينيقيين و القرطاجيين الذين أتوها تجارا، أما الممالك النوميدية فقد كانت تابعة لهم.
وقد كانت تشكل معبرا للقوافل التجارية بين بلاد السودان وإفريقيا في الجنوب والشمال الإفريقي وأوروبا، ولعل هذا ما يفسر براعة أهلها المنقطعة النظير في التجارة إلى اليوم، ووصلها حتى الرومان والوندال والبيزنطيين، فقد وجدت فيها نقود تعود لتلك الفترات الزمنية المختلفة وآثار رومانية.
وأما بالنسبة لتسميتها قديما، فقد كان يطلق عليها (الظاهرة) لأنها مرتفعة عن بقية الأرض ظاهرة، كما أنه يقال أنها أول الأرض ظهورا عند انحسار البحر في تلك المنطقة.
وفيما يخص تسمية وادي سوف فهناك عدة روايات منها الضعيف، ومنا المرجح، فقد ذكر أن قبيلة (الطرود) العربية لما أتت للمنطقة في نهاية القرن 13م، وجدت وادي وهو نهر صحراوي كان يجري في الشمال الشرقي منها، ويسمى وادي الجردانية (الجردانية قوم ليبيون أمازيغ سكنوا سوف قديما)، وتوقف عن الجريان في نهاية القرن 14م، ودفن مجراه الآن تحت الرمال.
كما ذكرت رواية أخرى أن أفراد هذه القبيلة العربية (الطرود) شاهدوا كيف تسوق الرياح عند هبوبها رمال المنطقة، فقالوا أن تراب هذا المحل كالوادي في الجريان لهذا سموها الوادي.
كما يذكر أنها سميت (سوف) من الصوف، نسبة لأهل الصفة أو المتصوفة، لأن عابدا انقطع للتصوف والتزهد في ذلك المكان وكان يلبس الصوف.
وقيل لأن أهلها كانوا يلبسون الصوف مما ينتج أغنامهم، كما نجد البعض يرجع هذه التسمية للريح، التي تحرك الرمال عند هبوب الزوابع فيقال لها المسفسفة، ويطلق على الرمل السافي، وهذه روايات ضعيفة بعض الشيء.
وتقول رواية أخرى وهي التي رجحها ابن خلدون، حيث ذكر أنها تنسب التسمية لقبيلة من الطوارق تدعى مسوفة، حلت بهذا المكان زمنا ثم ارتحلت بعد أن تركت أثرا، فسميت المنطقة باسمها سوف أو أسوف (وادي سوف أو وادي أسوف). وسوف تعني كذلك الوادي بالأمازيغية سواء الشاوية أو الترقية، لهذا تسمى ولاية الوادي فقط ولا نضيف إليها سوف، ويرجح أن هذه الروايات هي الأصح.
وكانت تسمى (سوف) لوحدها أو (الوادي) لوحدها، لأنها تدل نفس المعنى، و أول من أطلق عليها اسم (وادي سوف) هو الرحالة الأغواطي عام 1829 في نهاية العهد التركي في الجزائر، ثم اعتمدها الفرنسيون لتسمية المنطقة في معاملاتهم، فانتشر الاسم إلى اليوم.
وتعرف كذلك باسم مدينة الرمال الذهبية نسبة إلى لون رمالها المميزة الذهبية اللون، كما يذكر أنها كانت منطقة غنية بالذهب، وكان أهلها قديما بعد الزوابع الرملية يجدون قطع الذهب الخام متناثرة فوق كثبانها، كما تشتهر بالملح.
وسميت كذلك بمدينة الألف قبة وقبة، وهذه التسمية أطلقتها عليها صحفية ورحالة سويسرية، اسمها ايزابيل ايبرهاردت (1877- 1904م)، والتي زارتها في مهمة تغطية حياة الجزائريين في ظل الحكم الفرنسي، وانبهرت بها وبهندستها الفريدة، وسمتها مدينة الألف قبة وقبة، واستقرت فيها إلى أن توفيت.
وقد اعتمد أهل الوادي قديما هندسة فريدة في بناء منازلهم وحوانيتهم وأسواقهم، وهي الأسقف المقببة، وذلك استجابة لظروف وطبيعة هذه المنطقة، وأولها أن هذه الأسقف المقببة تمنع تركيز الشمس على جهة معينة، وبالتالي تتوزع أشعتها على الأسقف فيقل تأثير حرارتها.
وثانيها أن الهواء الساخن بطبيعته يرتفع للأعلى والبارد ينزل للأسفل، فالقباب تشكل حيزا يصعد إليه الهواء الساخن في الغرف والبيوت، ويتجدد عن طريق النوافذ الصغيرة في حواشي القباب، التي يدخل منها الهواء الساخن من الخارج فيمكث مدة حتى يعتدل ثم ينزل للأسفل، وبالتالي تساهم في عملية التبريد الطبيعي.
كما أن المنطقة مشهورة بزوابعها الرملية الشديدة، وبما أن مواد البناء القديمة بسيطة لا تقاوم ثقل الرمال، فتسقط أسقف البيوت على أهلها، لهذا اعتمدت القباب لتمنع تراكم الرمال على الأسقف، وتجعلها تسقط على جوانب المنازل.
وبالتالي فالقباب تمثل ذكاء الإنسان السوفي في تعامله مع طبيعته الصحراوية الصعبة، ويضرب مثل لذلك فيقال “كل أفة خلقلها ربي آفة (بتشديد الفاء)، حتى الرمل خلقلوا ربي السوافة(أهل وادي سوف)”، ومعناه أن الله خلق لكل شيء ما يغلبه، حتى الرمل رغم صعوبته غلبه السوافة.
د.أمال عزري